{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فَهِي رَاجِعةٌ إلى بابِ التَّخْفيفِ لا إلى التَّشْديدِ، فهذه الشُّروطُ قدْ تَكونُ أيْسَرَ علَى النَّاسِ، وأَوْسَعَ رَحْمَةً بِنا في اسْتِخْراجِ أحْكامِ اللَّهِ تعالَى عنْ طَريقِ المَصالِحِ.

أسْبابُ اخْتِلافِ العُلَماءِ في الاحْتِجاجِ بِالمَصلَحةِ المُرْسَلَةِ:

أوَّلاً: نَظْرَةُ العُلَماءِ إلى المَصْلحَةِ المُرْسَلةِ مِن حيثُ المُرادِ مِنها، وذلكَ مِن حيثُ المُلاءَمَةِ أو الشُّروطِ الَّتي يَجبُ تَوافُرُها فيها كَثْرَةً وقِلَّةً، وعلى ذلكَ فعِندَ الأَئِمَّةِ الأَرْبعَةِ أصْحابِ المذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأَرْبَعَةِ نَراها تَاخُذُ مَساراً عِندَ كُلِّ إِمامٍ حَسْبَما يَرَى مِن تَحقِيقِ المَصْلحَةِ المُرسَلَةِ في الفَرْعِ الَّذي يَحْكُمُ عُليهِ.

ثانِياً: نَظْرَةُ العُلَماءِ إلى المَصلَحةِ في كَونِها دَلِيلاً مُسْتَقِلاًّ بِذاتِه أو مُنْدَرِجَةً تَحْتَ غَيرِه مِن الأَدِلَّةِ، فالَّذينَ مالُوا إلى إنْكارِها ورَدِّها وتَصْحيحِ أنَّ مُعْظَمَ العُلَماءِ لَمْ يَقولوا بِها كالآمِدِيِّ، وابْنِ الحَاجِبِ وغَيرِهِما، إنَّما قَصَدُوا بِذلكَ إنْكارَ كَونِها دَلِيلاً مُسْتَقِلاًّ، وكَلامُهمْ بِهذا القَصْدِ صَحيحٌ، لأِنَّ مُعْظَمَ الأَئِمَّةِ لَمْ يَرَوها أصْلاً مُسْتَقِلا. ًّ

لِذَلكَ جَعَلَها الغَزَالِيُّ مِن الأُصُولِ المَوهُومَةِ في أَوَّلِ كَلامِه عَنها، وهذا يَعْنِي إلْغاءَها وعَدَمَ العَمَلِ بِها، ولَكِنَّه ما لَبِثَ أنْ انْتَهَى في آخِرِ كَلامِه إلى القَولِ بِأنَّ كُلَّ مَصلَحَةٍ داخِلَةٍ ضِمْنَ مَقاصِدِ الشَّرْعِ فَهيَ مَقْبُولَةٌ، حَيثُ يَقولُ: فَإنْ قِيلَ: قدْ مِلْتُمْ في أَكْثَرِ المَسائِل إِلى القَولِ بِالمَصالِحِ ثُمَّ أوْرَدْتُمْ هذا الأَصْلَ في الأُصولِ المَوهُومَةِ، فَلْيُلْحَقْ هذا بِالأُصولِ الصَّحيحَةِ لِيَصيرَ أصْلاً خامِساً بَعْدَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ والعَقْلِ، قُلْنا: هذا مِن الأُصولِ المَوهُومَةِ إذْ مَن ظَنَّ أنَّه أصْلٌ خامِسٌ فقدْ أخْطَأَ، لأِنَّا رَدَدْنَا المَصْلحَةَ إلى حِفْظِ مَقاصِدِ الشَّرْعِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015