فإن غفرت فقد مننت، وإن عاقبت فما ظلمت، لا إله إلا أنت.
وقال سليمان التيمي: دخلت على بعض أصحابنا وهو في النزع، فرأيت من جزعه ما ساءني، فقلت له: هذا الجزع كله، لماذا، وقد كنت بحمد الله على حالة صالحة؟ ! فقال: ومالي لا أجزع؟ ومن أحق مني بالجزع؟ والله، لو أتتني المغفرة من الله عز وجل، لأهمني الحياء منه فما أفضيت به إليه.
ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، جعل يقول: والله لوددت أني عبد لرجل من تهامة أرعى غنيمات في جبالها، ولم أل.
وذكر محمد الطائي الهمذاني في إرشاد السائرين إلى منازل المتقين، ذكر بإسناده إلى المزني، قال: دخلت على الشافعي ـ رحمه الله ـ في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولسوء فعلي ملاقياً، وبكأس المنية شارباً، وعلى الله عز وجل وارداً، فو الله ما أدري أروحي تسير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟ ! ثم بكى وأنشد:
فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي، فلما قرنته ... بعفوك ربي، كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفومن الذنب، لم تزل ...
... تجود، وتعفو منة وتكرما
فلولاك، لم يقو بإبليس عالم ...
... وكيف، وقد أغوى ضعيفك آدما؟
وقال بعض الصالحين لخادمه، وقد حضرته الوفاة: يا غلام، شد كتافي، وعفر خدي في التراب، ففعل الغلام به ذلك، ثم قال: دنا الرحيل، ثم قال: اللهم لا براءة لي من ذنب، ولا عذر أعتذر به، ولا قوة فأنتصر بها ثم قال: أنت لي، أنت لي، ثم صاح صيحة، فمات فسمعوا صوتاً يقول: اشتكى العبد لمولاه، فقبله.
ومن المطالب العالية، والبشارات الهائلة، لمن أصيب بمصيبة، وقد تقدم غالبه، ثم نذكر من لم يقدم من ولده شيئاً.