ابنها في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج، أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبره بما كان منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل الله أن يبارك لهما في ليلتهما» فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد، كلهم قد قرأ القرآن.
«وفي لفظ أنها قالت لأهلها لما مات ولدها: لا يكلم لأبي طلحة أحد قبلي، فلما دخل، سأل عن الصبي، فقالت: إنه قد هدأ مماكان، وقدمت له طعاماً فأكل، ثم تصنعت له حتى واقعها، ثم قالت: يا أبا طلحة، أرأيت قوماً أودعوا قوماً وديعة، ثم طلبوها منهم، أفما يجب أن يؤدوها إليهم؟ قال بلى، قالت: فاحتسب ابنك.
فغضب لما صنعت به، فلما كان الصباح، ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشكوها إليه، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: بارك الله لكما في غابر ليلتكما فجاءت بغلام حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الله، وهو الذي كان من سلالته الإخوة القراء، والأول هو أبو عمير الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعبه ويقول له: يا أبا عمير ما فعل النغير» أي ما فعل عصفورك.
فهذه امرأة، قد تصبرت ورضيت، وتثبتت واحتسبت، فأخلف الله لها خيراً من الذي أصيبت به، فإذا نظر من أصيب بمصيبة، إلى امرأة قد فعلت عند المصيبة أمراً لا يكون إلا عند السرور والأفراح، فليتأس الشخص، وليتعلم أوصاف السابقين الأولين، ويعلم الرجال أولى بهذا الصنيع والصبر من النساء.
ولم تصب امرأة في الوجود بما أصيبت به فاطمة ـ رضي الله عنها ـ التي هي سيدة نساء أهل الجنة، فإنها أصيبت بموت أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تقل في هذه الحال العظيمة إلا قولاً صدقاً محفوظاً عنها فإنها قالت: يا أبتاه، من ربه ما أدناه!
يا أبتاه، إلى جبريل أنعاه! يا أبتاه، أجاب رباً دعاه! يا أبتاه جنة الفردوس مأواه! فالذي ينبغي لنا، التأسي بسادات المسلمين من الرجال والنساء.
مات لرجل من السلف ولداً، فعزاه سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد، وآخرون، وهو في حزن شديد، حتى جاءه الفضيل بن عياض، فقال: يا هذا