ـ ورعبت رعباً شديداً ـ قال: فتعوذ، ثم قرأ آيات من آخر سورة آل عمران، حتى انتهى إلى هذه الآية: {وما عند الله خير للأبرار} ، قال يا أبا خليفة، قلت: لبيك، قال: ماذا تريد؟ تريد أن تخص بالحياة في ولدك دون الناس؟ ! أنت أكرم على الله أم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد مات ابنه إبراهيم؟ و «قال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب» ، أم ماذا تريد؟ تريد أن يرتفع الموت عن ولدك، وقد كتب على جميع الخلق؟ أم ماذا تريد؟ تريد أن تسخط على الله في تدبير خلقه؟ والله، لولا الموت، ما وسعتهم الأرض، ولولا التأسي، ما انتفع المخلقون بعيش، ثم قال: ألك حاجة؟ قلت: من أنت، رحمك الله؟ قال: امرؤ من جيرانك من الجن.
قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبدوس، ثنا أبو هاشم، ثنا محمد بن كاسة، قال: لما مات ذر بن عمر بن ذر، وكان موته فجاة، أتاه أهل بيته يبكونه، فقال: ما لكم؟ إنا ـ والله ـ ماظلمناه، ولا قهرنا، ولا ذهب لنا بحق، ولا أخطىء بنا، ولا أريد غيرنا، ومالنا على الله متعب، فلما وضعه أبوه في قبره، قال: رحمك الله يا بني، لقد كنت بي باراً، ولقد كنت عليك حدباً وما بي إليك من وحشة ولا إلى أحد بعد الله فاقة، ولا ذهبت لنا بعز، ولا أبقيت علينا من ذل، وقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، يا ذر، لولا هول المطلع ومحشره، لتمنيت ما صرت إليه، فليت شعري ـ يا ذر ـ ماذا قيل لك؟ وماذا قلت؟ ثم قال: اللهم وعدتني الثواب بالصبر على ذر، اللهم فعلى ذر صلواتك ورحمتك، اللهم إني قد وهبت ما جعلت لي من أجر على ذر صلة مني فلا تعرنه قبيحاً، وتجاوز عنه، فإنك أرحم به مني، اللهم قد وهبت له إساءته إلي، فأنت أجود مني وأكرم، فلما ذهب لينصرف، قال، انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك.
ورواها من وجه: أن ذراً لما مات قال أصحابه: الآن يضيع الشيخ ـ يعني والده ـ فإنه كان باراً به، فسمعها الشيخ، فبقي متعجباً، ثم التفت إليهم وقال: