الشرع، ولا تتضمن عقوبة الإنسان بذنب غيره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إن الميت ليعاقب ببكاء أهله عليه أو بنوح أهله عليه، وإنما قال: إنه ليعذب بذلك.
ولا ريب أن ذلك يؤلمه ويعذبه، والعذاب هو الألم الذي يحصل له، وهو أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص.
وقد «قال النبي صلى الله عليه وسلم: السفر قطعة من العذاب» .
وهذا العذاب يحصل للمؤمن والكافر، ويحصل للميت الألم في قبره بمجاورة أهل البدع والفسق والعصيان، ويتأذى بذلك كما يتأذى الإنسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جاره.
ونص الإمام أحمد، على أن الموتى يتأذون بفعل المصيبة عندهم، فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم، من لطم الخدود، وتمزق الثياب، وخمش الوجوه وتسويدها، وقطع الشعر ونتفه، ودعا بدعوى الجاهلية، وكل هذا موجود في غالب جهال أهل زماننا، فإذا وجدت هذه الأفعال والأقوال على هذا الوجه، حصل للميت الألم في قبره بذلك، فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه، وهذا معنى ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية.
قد يستحوذ الشيطان على المريض، فيوسوس له بأنك ستفارق المحبوبات، وتخرج من الدنيا إلى مكان فظيع موحش، وتلقى بين أطباق الثرى، وكيف يؤلمك؟ ! فربما أسخطه على ربه، وكرهه لقاء الله عز وجل.
وربما أنطقه بكلام يتضمن نوع إعراض وتسخط.
ثم يوسوس لأقاربه، بأنه لا بد أن يفوتكم من بره وإحسانه ما يزيد عن الوصف، أو أنه كان قد نشأ منشأحسناً، وقد بدأ يترقى إلى المناصب العالية، فيهيج هؤلاء على البكاء المحرم، وفعل ما لا يجوز فعله، ويهيج المريض على الحزن على فراق الدنيا.
فينبغي لكلا الطائفتين، أن يتداووا بالأدوية الشرعية، وقد تقدم في الباب الأول ما فيه كفاية من الأدوية الإلهية فلا حاجة إلى تكرارها، ولكن يجاب عن هذا بجوابين:
أحدهما: أن الأغلب فيمن يفارقه أنه يؤثر فراقه خصوصاً إن كان شيخاً