وقال لبيد:
فقوما فقولابالذي قد علمتما ...
... ولا تخمشا وجهاً ولا تحلقا شعر
وقولا: هو المرء الذي لا حليفه ...
... أضاع، ولا خان الصديق، ولا غدر
وقالت طائفة أخرى: وهو محمول على سنته وسنة قومه البكاء والنوح، وقد اشتهر أن هذا معروف منهم، فإذا لم ينههم دخل في الوعيد، لأن ترك نهيه عن البكاء دليل على رضائه به منهم.
وهذا قول عبد الله بن المبارك، وهذا القول والذي قبله هو قول واحد، وقد حكى بعض أهل العلم: أن هذين القولين متباينان ولم يظهر لي ذلك، والله أعلم.
وقال أبو البركات ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: هذا القول هو أصح الأقوال كلها وأرجحها، لأنه إذا غلب على ظنه فعلهم له، ولم يوصهم بتركه، فقد رضي به، وصار كمن ترك النهي عن المنكر مع القدرة عليه، فأما إذا أوصاهم بتركه، فخالفوه، فالله أكرم من أن يعذبه بذلك.
وقال العلام ابن المقيم ـ رحمه الله ـ: وقد حصل بهذا القول إجراء الخبر على عمومه في أكثر الموارد، وإنكار عائشة ـ رضي الله عنها ـ لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه، فإنهم قد يحضرون ما لا تحضره، ويشهدون ما تغيب عنه، واحتمال السهو والغلط بعيد جداً، خصوصاً بحق خمسة من أكابر الصحابة، وقد تقدم ذكره عن أكثر من خمسة من الصحابة.
وقوله في اليهود لا يمنع أن يكون قد قال مارواه عن هؤلاء الصحابة في أوقات أخر، ثم هي محجوجة بروايتها عنه أنه قال: «إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه» ، فإذا لم يمتنع زيادة الكافر عذاباً بفعل غيره، مع كونه مخالفاً لظاهر الآية، لم يمتنع ذلك في حق المسلم، إن الله سبحانه، كما لا يظلم عبده المسلم، لا يظلم الكافر، والله تعالى أعلم.
واعلم ـ رحمك الله ـ أن هذه الحاديث، لا تحتاج إلى شيء من هذه التعسفات، وليس فيها بحمد الله إشكال، ولا مخالفة لظاهر القرآن، ولا لقاعدة من قواعد