الآيات كثير في القرآن.
وما ذاك إلا لأن الحزن لا يجلب منفعة، ولا يدفع مضرة، فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به، لكن لا يأثم به صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم ـ كما تقدم ذكره ـ من قول أو فعل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يؤاخذ بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يؤاخذ بهذا ـ وأشار بيده إلى لسانه ـ أو يرحم» فدل على أنه لا يأثم إلا إذا اقترن به ما يجلب الإثم.
ويؤيده أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب» .
قال مالك بن دينار: القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب، كما أن البيت إذا لم يسكن خرب.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثني علي بن مسلم، ثنا بشار، ثنا جعفر، ثنا إبراهيم بن عيسى، قال: ما رأيت أطول حزناً من الحسن، ولما رأيته، حسبته حديث عهد بمصيبة.
ثم ذكر بسنده عن مالك، قال: بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج هم الآخرة من قلبك.
ومنه قوله تعالى: {وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن} .
فكل هذه الأدلة تدل على أنه لا ياثم به صاحبه، فالبكاء والحزن على الميت على وجه الرحمة والرقة حسن، ولا ينافي الرضا والصبر بخلاف البكاء عليه لفوت حظ الحي منه، فإذا اقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه فيكون محموداً من تلك الجهة لا من جهة الحزن، فالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموماً.
فهذا يثاب على ما في قلبه من الخير وبغض الشر، وتوابع ذلك.
ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة نهي عنه، وكان حسب صاحبه الإثم عنه من جهة الحزن، وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله به ورسوله كان مذموماً عليه من تلك الجهة، إن كان محموداً من جهة أخرى، فإنه إن كان المحزون عليه لا يمكن استدراكه لم ينفع الحزن.
فالعاقل يدفعه عن نفسه، ولا يضم إلى مصيبته أخرى، وليعلم أنه سيسلو بعد حين، والله أعلم.