عبد تقي، فالمقسر يود لو أنه رد فاستدرك ما فات، ونظر فيما فيه فرط، والمهمل العمل بالجملة، يكون تمنية الرجوع أكثر، وحرصه على العودة أشد، فالواجب اغتنام الصحة والفراغ، المغبون فيهما كثير الناس.
وإنما يحصل للشخص الحزن والبكاء على ما أصيب به، لذهوله عما بين يديه من سكرات الموت وغصصه، والانفراد في القبر وحيداً ذليلاً مستوحشاً ثم مسائلة منكر ونكير عليهما السلام، وطول مكثه تحت الثرى، إما منعماً وإما معذباً، ثم من بعد ذلك خروجه من قبره وقيامه لرب العالمين، ثم وقوفه الطويل في المحشر وما يرى من أهوال يوم القيامة، ثم حسابه بين يدي الله تعالى ووزن أعماله وتطاير الصحف والمحاسبة على مثاقيل الذر، وأنه وجد ما عمل محصياً عليه، محرراً في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأنه بين رجاء وخوف، إما لذات اليمين أو لذات الشمال.
فلو استشعر المصاب هذه المصائب العظيمة التي بين يديه، وهو غافل عنها، غير مستعد لها، لشغلته عن مصابه بأحبابه، ولرجع إلى الصبر والرضا بما قدره وأمضاه، فإن قدر على نفع، نفع ميته به، وإلا فلا يؤذيه بما نهى الشرع عنه من الندب والنياحة ولطم الخدود وشق الجيوب، وغير ذلك من الأفعال والأقوال المكروهة، التي ذمها السلف والخلف، كما سنبينه بعد إن شاء الله، نسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة.
والحزن لم يأمر الله تعالى به ولا رسوله، لا في المصيبة ولا في غيرها، بل قد نهى الله عنه في كتابه وإن تعلق بأمر الدين.
لكن منه محمود ومذموم كقوله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون} .
وقوله: {ولا تحزن عليهم} .
وقوله تعالى في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} .
وقوله تعالى: {فلا يحزنك قولهم} .
ونحو ذلك من