ورضى كنت في ديوان المغبونين، وإن أحدثت له اعتراضاً عليه وقدحاً في حكمته ومجادلةً في الأقدار، فقد قرعت باب الزندقة، وفتح لك وولجته فاحذر عذاب الله يحل بك، فإنه لمن خالفه بالمرصاد.
وإن أحدثت له صبراً وثباتاً لله كنت في ديوان الصابرين، وإن أحدثت له رضى بالله ورضى عن الله وفرحاً بقضائه كنت في ديوان الراضين، وإن أحدثت له حمداً وشكراً كنت في ديوان الشاكرين الحامدين، وإن أحدثت له حمداً واشتياقاً إلى لقائه كنت في ديوان المحبين المخلصين.
وفي مسند الإمام أحمد والترمذي، من حديث «محمود بن لبيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي الله فله الرضى، ومن سخط فله السخط» زاد الإمام أحمد: ومن جزع فله الجزع.
فأنفع الأدوية للمصاب موافقة ربه وإلهه فيما أحبه ورضيه له، وإن خاصية المحبة وسرها موافقة المحبوب، فمن ادعى محبة محبوب، ثم سخط ما يحبه، وأحب ما يسخطه، فقد شهد على نفسه بكذبه، وأسخط عليه محبوبه.
قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن يرضى به.
وكان عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ يقول في مرضه: أحبه إلي أحبه إليه.
وقال بعده أبو العالية: وهذا دواء المحبين وعلاجهم لأنفسهم.
ولا يمكن كل أحد أن يتعالج به، فانظر هذه الطرائق واختر وفقنا الله وإياك لما يحب.
روى ابن أبي حاتم بإسناده في تفسيره عن خالد بن يزيد، عن عياض، عن عقبة أنه مات له ابن يقال له: يحيى، فلما نزل في قبره قال له رجل: والله إن كان لسيد الجيش، فاحتسبه، فقال والده: وما يمنعني أن أحتسبه وكان من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات؟! فهذا رجل صابر راض محتسب، ما أحسن فهمه وحسن تعزيته لنفسه، وثقته بما أعطاه الله من ثواب الصابرين.