ومما ينبغي أن يعلم أن العبد، إذا نظر أو سمع ما تقدم في هذا الباب من تنوع الشهادة، وذكر تعدادها، حصل له تسلية بموت محبوبه، فإنه في الغالب لا بد أن يكون ناله نصيب منها، مع أني لم أحط بكل ما «ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تسمية الشهداء، وقد روي مرفوعاً: موت الغريب شهادة» .
وقد استقصينا في عد الشهداء في كتاب أحكام الطاعون.
ويكفي في البشارة ما تقدم قريباً، «من رواية الإمام أحمد مرفوعاً: إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش» ، وتقدم ما أعد الله للشهداء من حين الموت، وما لهم عند الله، وأن أرواحهم في حواصل طير خضر تأكل وتشرب في الجنة، وتسرح حيث شاءت، وكل هذا في دار البرزخ، فإذا دخلوا الجنة يوم القيامة بأجسادهم انتقلوا إلى نعيم أعلى من ذلك وأكثر منه.
قال أبو بكر القطيعي: «حدثنا بشر بن موسى، حدثنا ابن خليفة، حدثنا عوف، عن خنساء، قالت: حدثتني عمتي، قالت: قلت يا رسول الله، من في الجنة؟ قال: النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموؤودة في الجنة» وكذلك رواه بندار، عن غندر، عن عوف، فذكر مثله.
فانتقال العبد إلى الله وما عند الله، هو خير لعباده من هذه الدنيا التي خلقهم فيها، فينظر كيف يعملون، ويبتليهم بالمحن والمصائب، والشهادات، حتى يعلم الصابر منهم والجازع، ليجازي كل شخص بحسبه، فمنهم من يجازيه بالحنان، ومنهم من يجازيه بالنيران، وكل ذلك عدل منه سبحانه وتعالى، لا يظلم مثقال ذرة، بل إن أدخل العبد الجنة فبرحمته وفضله، وإن أدخله النار، فبعدله وسلطانه: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} .
فله الحمد دائماً على كل حال.
والشهادة المطلوبة، شهادة المعركة على ما تقدم وكذلك شهادة الطاعون، فإنه قد رود في أحاديث وآثار في تمني الطاعون، ما وقع في قصة المغيرة ين شعبة أنه قال: اللهم ارفع عنا الرجز ـ يعني الطاعون ـ، فقال أبو موسى الأشعري ـ رضي