فكل من مات وهو مستحق العذاب، ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، فلو أكلته السباع، أو أحرق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور.
انتهىكلامه.
ومما ينبغي أن يعلم أن البلي يختص هذا البدن المشاهد المركب، فإن هذا البدن ليس بشيء إنما هو آلة، والنظر إلى ما يؤذي الروح وينفعها.
وقد روى أبو الفرج بن الجوزي ـ رحمه الله ـ بإسناده، قال: دخل عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ المسجد، وقد قتل عبد الله بن الزبير، فمال إلى أسماء أم ابن الزبير، فقال لها: اصبري، فإن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله تعالى، ثم قال: وروينا عن ابن الزبير، أنه قال لأمه أسماء قبل قتله: يا أماه، إن قتلت فإنما [أنا] لحم لا يضر ما صنع بي.
وروى خالد بن معدان، قال: لما قتل هشام بن العاص يوم أجنادين، وقع على ثلمة فسدها، ولم يكن ثم طريق غيره، فلما انتهى المسلمون إليه، هابوا أن يوطئوه الخيل، فقال عمرو بن العاص: أيها الناس، إن الله قد استشهده ورفع روحه، وإنما هو جثة، فأوطئوه الخيل، ثم أوطأه هو، وتبعه الناس حتى قطعوه.
وإذا ثبت هذا، فإن الله تعالى إذا أتلف هذا البدن الترابي وأبلاه، المعرض للآفات، فإنه سيعيده بدناً لا يبلى، في حياة لا تنفد أبداً، وتبدل صعوبات التكليف بحسن الجزاء، ويعطيهم أجوراً باقية عن أعمال منقطعة، كما لا يبقى لمرارات الشعث والتكليف في أيام الإحرام، طعم عند أيام التشريق، والله تعالى الموفق.