خلقت قبل الأرواح؟.
فهذه المسالة للناس فيها قولان، حكاهما شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره:
أحدهما: ما حكاه واختاره ابن حزم، ومحمد بن نصر المروزي، وقد تقدم، وذكرنا ما استدل به.
والقول الثاني: وعليه عامة السلف والخلف، أن الأجساد خلقها متقدم على الأرواح، والأدلة متظاهرة من وجوه عديدة، ليس هذا محل ذكرها، فخلق أبي البشر الذي هو أصل الناس هكذا، فإنه سبحانه وتعالى أرسل جبريل، فقبض قبضة من الأرض، ثم خمرها حتى صارت طيناً، ثم صوره، ثم نفخ فيه الروح بعد تصويره، وهذه قصة مشورة، قد وردت من عدة طرق، تدل على أن الله سبحانه نفخ فيه من روحه بعد أن خلق جسده.
وفي الصحيح: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح» الحديث المشهور.
فنفخ الملك فيه الروح هو سبب حدوث الروح فيه، ولو كان للروح وجود قبل البدن، وهي حية عالمة ناطقة، لكانت ذاكرة في هذا العالم، شاعرة به ولو بوجه ما، ومن الممتنع أن تكون حية عالمة ناطقة عارفة بربها، وهي بين ملأ من الأرواح، تنتقل إلى هذا البدن ولا تشعر بحالها الأول، وإذا كانت بعد المفارقة، تشعر بحالها وهي في البدن على التفصيل، وتعلم ما كانت عليه ههنا، مع أنها التبست بالبدن أموراً عاقها عن كثير من حالها، فلأن تشعر بحالها الأول، وهي غير معوقة هناك، بطريق الأولى.
والله أعلم.
فصل ـ في قوله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة وكيفية ذلك
«في قوله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» .
فمن العلماء كابن حزم، وابن نصر المروزي وغيرهما، يقول الأرواح مجموعة أو مجتمعة، وأنواع مختلفة، فهي خلقت مجتمعة، ثم فرقت في أجسادها، فمن وافقه نسميه إلفه، ومن باعده نافره وخالفه، وقال الخطابي وغيره: هو ما