الأرض بأشفارهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرد الخاطف، فيجلسانه، ثم يقولان: يا هذا، من ربك؟ فيقول: لا أدري، فينادى من جانب القبر: لا دريت، فيضربانه بمزربة من حديد، لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم تقل، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ...
»
وذكر تمام الحديث كما تقدم.
ورواه أبو داود أيضاً بطوله، بنحو هذه الرواية، وأبو حاتم، وابن حبان في صحيحه، وروى النسائي، وابن ماجة أوله، ورواه أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني في صحيحه، وأما ابن منده، فرواه في كتاب الإيمان بطوله، وقال: هذا إسناد متصل مشهور، ولم أذكر سنده للاختلاف فيه.
قال أبو عوانة: قال زاذان الكندي: سمعت البراء، وقال غيره: لم يسمعه من البراء، والله أعلم.
وفي صحيح البخاري ومسلم، «عن مالك عن نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم، إذا مات، عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة» .
ورواه الإمام أحمد أيضاً في مسنده.
وليعلم أن النار والخضرة التي ورد ذكرهما في القبر: كما تقدم، ليست من نار الدنيا، ولا الخضرة زرع الدنيا، وإنما هي من نار الآخرة، ومن خضرها، وهما أبلغ وأشد من نار الدنيا وخضرها، فإن من قضى الله بعذابه، فإنه يحمى عليه ذلك التراب، وتلك الحجارة التي فوقه وتحته، أو اللبن، حتى يكون أعظم حراً من جمر الدنيا، ولو مسها أهل الدنيالم يحسوا بذلك، ولم يروا إلا تراباً وحجارة ولبناً، بل قد يدفن شخصان: أحدهما إلى جانب صاحبه، هذا في حفرة من حفر النار، وهذا في روضة من رياض الجنة، لا حر هذا يصل إلى هذا، ولا نعيم هذا يصل إلى هذا، وقدرة الرب عز وجل أوسع وأبلغ وأعجب من ذلك، وكل