فصل ـ في قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
وأما احتجاج بعض من خالف، من أصحاب الشافعي ومالك، بهذه الآية على أن الميت لا ينتفع بثواب من سعي غيره، «لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له» .
قالوا: ولأن نفع العبادة لا يتعدى فاعلها.
فيقال لهم: قد ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأمة، أن الميت يصلى عليه ويدعى له ويستغفر له، وهذا من سعي غيره، وكذلك ما وافقوا عليه وسلموه من أن ينتفع بالصدقة والعتق وهو من سعي غيره، فما كان جوابهم على مورد الإجماع، فهو جواب الباقين عن محل النزاع، وللناس في ذلك أجوبة متعددة سبيلها الكتب المطولة، ولكن تحقيق ذلك أن يقال: إن الله تعالى لم يقل: إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه، وإنما قال: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وهو لا يملك إلا سعيه، ولا يستحق غير ذلك، وإنما سعي غيره فهو له، كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه، ويملك نفع نفسه بمال غيره.
وقد روي عن ابن عباس أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} ، فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء، ولا يصح هذا، لأن لفظ الآيتين لفظ خبر، والأخبار لا تنسخ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اللفظ المنقول عن ابن عباس هو من تفسير علي بن طلحة الوالبي عنه، وقد قيل: إنه لم يسمعه من ابن عباس، وقال عكرمة: هي خاصة بقوم إبراهيم وموسى دون هذه الأمة، وشرع من قبلنا ليس بشرع لنا، وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وسعي لهم.
قال الشيخ: وهذا ضعيف، لأن الله إنما ذكر هذا ليخبر به هذه الأمة، وليعلموا أن هذا حكم شامل، ولو كان هذا