ذمته ظلامة لا يخطر له تداركها، وإنما حزنه على فراق الدنيا، إذ لا هم له سواه، وربما أفاق وأوصى بجور.
انتهى كلامه.
وسبب ذلك ضعف الإيمان كما قال تعالى: {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا * ذلك مبلغهم من العلم} ، وأحدهم لا هم له إلا الدنيا، ولا يتأسف إلا عليها، والعين المتطلعة إلى الآخرة ضعيفة جداً، وقد عم هذا أكثر الخلق في زماننا، نعوذ بالله من الخذلان.
فينبغي للمتيقظ أن لا يتأسف على ما فات، وأن يتأهب في حال صحته قبل هجوم المرض، فربما ضاق الوقت عن عمل، واستدراك فارط، أو وصية، فإن لم تكن له وصية في صحته فليبادر في مرضه، وليحذر الجور في وصيته، فإنه من المحرمات، فإنه يمنع المستحق ويعطي من لا يستحق، فيحتاج أن يحارب نفسه وشيطانه، فقد «روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت» ويعلم أنه مملوك لله وليس له في نفسه شيء.
قال الشاعر:
صرت لهم عبداً وما ... للعبد أن يتعرضا
ويعلم أيضاً أن هذا الواقع من المصائب في نفسه وماله وولده، وقع برضى مالكه وخالقه، فيجب على العبد أن يرضى بما يرضي به السيد، ويعاقب نفسه إذا جزعت، ويقول لها: أما علمت أن هذا لابد منه؟ ! فما وجه الجزع؟ ! وإنما هي ساعة كأن لم يكن ما كان، ومن تلمح العواقب هان عليه مرارة الدواء، والله تعالى الموفق.
قال بعض السلف: رأيت جمهور الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجاً يزيد عن الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا
وضعت، وهل ينتظر الصحيح إلا السقم، والكبير إلا الهرم، والموجود سوى العدم؟!
قال الشاعر:
على ذا مضى الناس: اجتماع، وفرقة ...
وميت، ومولود، وبشر وأحزان