قد تقدم أن الصبر اعتراف العبد بالله بما أصابه منه، واحتسابه عند الله، وأنه حبس النفس عما لا يحسن فعله ولا يجمل، وحبس اللسان عما لا يحسن قوله، فإذا كان معنى هذه المقالة أن الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخيط، والجوارح عن لطم الخدود، وخمش الوجوه، وشق الثياب، ونحو ذلك، وأن العبد يرضى عن الله فيما يفعله به مما يحب وقوعه، ومما يكره وقوعه، فإذا وقع من العبد عكس ما ذكرته كان متلبساً بالنقائص والرذائل، فمن شكا ما به إلى مخلوق مثله، كان قد شكا ربه إلى بعض مخلوقاته، فمثله كمثل من شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه، إلى من لا يرحمه وليس بيده نفعاً ولا ضراً.
فهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان شكاية الضار النافع الذي بيده أزمة الأمور، إلى من لا يضر ولا ينفع.
قال شقيق البلخي: من شكا مصيبة نزلت به إلى غير الله، لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبداً.
وأما إخبار المخلوق بحاله لا على وجه الشكوى، فإن كان للاستعانة بأن يرشده أو يعاونه أو يوصله إلى زوال ضره بما ينفعه مما هو أخبر منه به، كالحجام يحجبه ويقلع ضرسه، أو رجل صالح يدعو له، فهذه الأمور على هذا الوجه لم تقدح في صبره، لأن هذا كإخبار المريض الطبيب بحاله، وإخبار المبتلي في جسده ببلائه لمن يرجو أن يكون فرجه على يديه، وكذلك إخبار المظلوم لمن ينتصر به، وإخبار المبتلى في دينه لمن هو مسترشد الهداية، ليبين له طريق الهداية إن وفق لها.
«وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على المريض، سأله عن حاله، ويقول: