اجتماع الأمرين، ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضا عن عبودية الرحمة والرقة، والله تعالى أعلم.
انتهى.
قلت وما يؤيد ما ذكره الشيخ ـ رحمه الله ـ قصة نبي الله يعقوب إسرائيل عليه السلام، إذ حكى الله تعالى عنه أنه ابيضت عيناه من الحزن، وقال: {فصبر جميل} و {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} فمشهده أوسع من مشهد هذا العارف، بل نبي الله يعقوب أبلغ من هذا العارف، فإن يعقوب كان له عدة من الولد، ومع هذا فهذه الرقة والرحمة التي عنده، مع الرضا الكامل، واستعمل الرضا والتفويض في قوله: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} واستعمل الرقة والرحمة عند {وابيضت عيناه من الحزن} فطريقة يعقوب عليه السلام أفضل من طريقة هذا العارف، مع كثرة أولاد يعقوب، وهذه رحمته ورقته، وأما هذا العارف ـ على ما قيل ـ لم يكن له ولد سواه.
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد بإسناده، عن ثابت البناني: أن صلة بن أشيم، كان في مغزى له، ومعه ابنه، فقال له: أي بني، تقدم فقاتل، حتى أحتسبك، فجاء فقاتل حتى قتل، ثم تقدم أبوه فقتل، فاجتمعت النساء عند أمه معاذة العدوية، فقالت: مرحباً، إن كنتن جئتن لتهنئنني مرحباً بكن، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي: قال أبو جحيفة: إنا لمتوجهون إلى همذان، ومعنا رجل من الأزد، فجعل يبكي، فقلت: أجزع هذا؟ قال: لا، ولكن تركت ابني في الرحل، فلوددت أنه كان معي، فدخلنا الجنة جميعاً.
الرضا من أعمال القلوب، لكن وإن كان من أعمال القلوب، فكماله هو الحمد، حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضا، ولهذا جاء في الكتاب والسنة: حمد لله على كل حال، وذلك يتضمن الرضا بقضائه.
«وفي الحديث: أول من يدعى إلى الجنة الحمادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء» .
«وفي الحديث مرفوعاً، أن النبي