تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب» ، وكذلك الحمد والاسترجاع.

وقد تقدم.

ومن سنته: الرضا عن الله في المصيبة وغيرها، ولم يكن ذلك منافياً لدمع العين وحزن القلب.

وأشد الناس حرصاً على رضى مولاهم الأنبياء، فقد روى ابن أبي الدنيا بإسناده، «عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء تضعيفاً، قال: فقلنا سبحان الله! قال: أفعجبتم؟ إن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون، الأمثل فالأمثل.

قلنا سبحان الله! قال: أفعجبتم؟ إن كان النبي من الأنبياء، ليتدرع العباءة من الحاجة، لا يجد غيرها، قلنا: سبحان الله! قال: أفعجبتم؟ إن كانوا ليفرحون بالبلاء، كما تفرحون بالرخاء» .

ولهذا كان أرضاهم، وأرضى الخلق عن الله، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قضائه وقدره، وأعظمهم له حمداً، ولم يمكنني حصر ما وقع له في ذلك لكثرته وشهرته، ومع ذلك بكى يوم مات ابنه إبراهيم ـ عليه السلام ـ رأفةً ورحمةً منه للولد، ورقةً عليه، وقلبه صلى الله عليه وسلم ممتلئ بالرضا عن الله تعالى وشكره له، واللسان مشتغل بحمده وذكره.

ولما ضاق هذا المشهد والجمع بين الأمرين ـ يعني رحمة الولد والرقة عليه والرضا عن الله تعالى ـ على أن بعض العارفين من السلف، يوم مات ولده، جعل يضحك، فقيل له: تضحك في مثل هذه الحال؟ فقال: إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه.

فأشكل هذا على جماعة من العلماء وأرباب الأحوال والتصوف، وقالوا: كيف يبكي رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم يوم مات ولده، وهو أرضى الخلق عن الله، ويبلغ الرضا بهذا العارف إلى أن ضحك يوم مات ولده؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هدي نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل من هدي هذا العارف، فإنه أعطى صلى الله عليه وسلم العبودية حقها، فاتسع قلبه للرضا عن الله ورحمة الولد والرقة عليه، فحمد الله ورضي عنه في قضائه، وبكى رحمةً ورقةً، فحملته الرحمة على البكاء، وعبوديته لله ومحبته له على الرضا والحمد، وهذا العارف ضاق قلبه عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015