والفرج، من أشق أنواع الصبر، لشدة الداعي إليهما وسهولتهما، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان، لسرعة حركته وسهولة إطلاقه.
وثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو على مناخرهم ـ إلا حصائد ألستنهم؟ !» .
فيجب لجامه بلجام الشرع، «لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» .
فإن اللسان رحب الميدان في الخير والشر، فمن أطلقه ولم يضبطه بالشرع، سلك به الشيطان في المهالك، وكبه في النار عند مالك، فالكمال إمساكه مطلقاً عن فضول الكلام، إلا في خير، وما لا بد منه، فإن اللسان لا تؤمن غائلته، وخطره عظيم.
ولسهولة حركته، وسرعة إطلاقه، قد بلي أكثر الناس في زماننا بآفاته، التي هي فاكهة وسرور مجالسهم: كالغيبة والنميمة والكذب، والمراء والجدال والخوض في الباطل، والخصومات وفضول الكلام، والتحريف والزيادة والنقصان، وتزكية النفس تفريحاً وتعرضاً، وحكاية كلام الناس، والطعن على ما يبغضه وتزكية من يحبه، وهتك المستورات، ونحو ذلك.
فيتفق قوة الداعي وسرعة حركة اللسان، فيضعف الصبر، و «لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أمسك عليك لسانك» ، وقد تقدم الحديث.
فإذا صارت هذه الآفات التي ذكرناها للسان عادة وسجية، فإنه يشق على العبد الصبر عنها إلا من عصمه الله، فآفات اللسان مهلكة ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع، نسأل الله السلامة منها.
لهذا نجد كثيراً من المتفقهة وغيرهم، ممن ينتسب إلى الورع، يتورع من استناده إلى مخدة من الحرير، أو من قعوده على بساط حرير، أو من شربه من قدح زجاج مموه بالذهب، أو الجلوس لحظة واحدة في فرح وغيره، مع ما فيه من الخلاف، ولا يتورع من إطلاق لسانه في الكبائر من الذنوب، كالغيبة والنميمة، والتفكه في أعراض الخلق.
وكذا إذا وقع الكلام في تفسير كلام الله، أو في مسند رسول الله، أطلق لسانه فيهما بغير علم، مع علمه بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} .
ثم أيضاً ممن يتورع عن الحبة من الحرام، بل عن الفلس المحرم، وعن القطرة من