ومع ذلك منهم من خالع ولعب، ومنهم من لعب ووقع عليه الطلاق الثلاث بعد التوبة والحلف.
فالصبر المستمر مع القدرة من غير خوف على جاهه أو ماله أو عرضه، صبر على المعاصي، ومواظيته على ما أمره الله تعالى به، صبر على الطاعات، فإذا فعل ذلك، ابتغاء وجه الله تعالى، ثوابه أن يوفى أجره بغير حساب.
«ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: عجب ربك من شاب ليست له صبوة» .
وفي الصحيح «من أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سبعة يظلهم الله في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاه حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» .
ولذلك استحق هؤلاء السبعة أن يظلهم في ظله، لكمال صبرهم، ومشقته على نفوسهم، فصبر الملك على العدل مع قدرته على الظلم والانتقام من رعيته، وصبر الشاب على عبادة الله ومخالفة هواه، وصبر الرجل على ملازمة المسجد، وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة حتى عن شماله مع قدرته على الرياء، وصبر المدعو إلى الفاحشة مع جمال الداعي، وصبرالمتحابين في الله في اجتماعهما وانفرادهما، وصبر الباكي من خشية الله على كتمان ذلك عن الناس، فهذه الأمور فيها مشقة على النفوس، فالصبر عليها، بتوفيق الله وفضله وإحسانه إلى عبده، صبر عظيم جميل.
ولما كان الداعي، في حق بعض الناس، ضعيفاً، ولم يصبروا مع تمكنهم من الصبر، كان عقوبتهم عند الله تعالى أشد من عقوبة غيرهم، كالشيخ الزاني، والملك الكذاب، والفقير المختال، وإنما كانوا أشد عقوبة من غيرهم، لسهولة التصبر عن هذه المحرمات عليهم، ولضعف دواعيها في حقهم، فكان تركهم الصبر عنها دليلاً على تمردهم على الله تعالى، وعتوهم عليه، ولهذا كان الصبر على معاصي اللسان