كتابي هذا فاصبر نفسك عن الأمر الذي لا صبر لك على عقباه، واصبر نفسك عن الأمر الذي لا غنى بك عن ثوابه، واعلم أن كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها، فذلك الحزن الدائم، والسلام.

عن عبد الله بن صالح العجلي، قال: كتب ابن السماك إلى رجل يعزيه عن مولود له مات: أما بعد، فإن استطعت أن يكون شكرك حين قبضه الله عز وجل منك، أكثر منه حين وهبه لك، فافعل، فقد أحرز لك هبته حيث قبضه، ولو بقي لم تسلم من فتنته، أرأيت حزنك على فراقه، وتلهفك على ذهابه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك، أما هو فقد خلص من الكدر وبقيت أنت معلقاً بالخطر، والمصيبة إن جزعت، فهي واحدة إن صبرت، ومصيبتان إن لم تصبر، فلا تجمع الأمرين على نفسك، والسلام.

وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه: أما بعد، فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة، فإذا قدمه فصلاة ورحمة، فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنه، ولا تضيع ما عوضك الله من صلاته ورحمته.

وقال موسى بن المهدي لإبراهيم بن مسلم، وعزاه بابنه: أسرك وهو بلية وفتنة؟ وأحزنك وهو صلوات ورحمة؟ !

وقد روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه دفن ابناً له فضحك عند قبره، فقيل له: أتضحك عند قبر؟ ! قال: أردت أن أرغم الشيطان.

ومات للحافظ بن عساكر ولد لم يحتلم ـ وكان ولداً حسناً ـ قال الحافظ: فحمدت الله، ولم أظهر لموته جزعاً ولا قلقاً، ولم أحالف لذهابه هلعاً ولا أرقاً، ولم أترك لحزنه مجلس التحديث، ولم أمتنع لأجله من الانبساط والحديث، وما كان ذلك إلا بتوفيق الله وإعانته، وحسن عصمته من الجزع وصيانته، فله الحمد إذ لم يحبط أجري فيه بجزعي، ولم يذهب صبري عنه بهلعي، لأن المحروم من حرم عظيم الثواب، والملوم من جزع لأليم المصاب.

وأعجب من تصبري: لما عزاني بعض إخواني، حضني على الصبر، وقال لي: مررت بك يوم ثانية، وأنت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015