والمقصود من التعزية: تسلية أهل المصيبة، وقضاء حقوقهم، والتقرب إليهم بقضائها، قبيل الدفن وبعده، لشغلهم بمصابهم.
ويستحب تعزية أهل الميت، وهي مسألة متفق عليها، ولم أعلم أن أحداً خالف فيها إلا سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ قال: لا تستحب التعزية بعد الدفن، لأنها خاتمة أمره، والمعروف المستقر عند أهل العلم استحباب التعزية، قبل الدفن وبعده، لما تقدم من الأحاديث قريباً، مثل «عموم قوله عليه السلام: من عزى مصاباً فله مثل أجره، من عزى ثكلى كسي برداً في الجنة» .
فكل هذه عمومات تدل على الاستحباب مطلقاً.
ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم وصغارهم، ويخص خيارهم والمنظور إليه من بينهم، ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة، لحاجته إليها، ولا يعزي الرجل الأجنبي شواب النساء، مخافة الفتنة، ويجوز للمرأة البرزة ونحوها.
وثبت أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ نهت على الضحك في المصيبة، لأن فيه إشماتاً بالمسلم، وكسراً لقلبه.
ولهذا رأى الإمام أحمد رجلاً يضحك في جنازة، فهجره وقال: أي موعظة اتعظ هذا؟ ! أو نحوه..
وما يفعله غالب أهل زماننا من الجلوس عند القبر يوم الدفن للتعزية وكذلك في اليوم الثاني والثالث.
قال أبو الخطاب: يكره الجلوس للتعزية.
وقال: ابن عقيل: يكره الإجتماع بعد خروج الروح، لأن فيها تهييجاً للحزن.
وقال الإمام أحمد: ـ رحمه الله ـ: يكره التعزية عند القبر، إلا لمن لم يعز، فيعزي إذا دفن الميت، أو قبل أن يدفن.
وقال أحمد: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية، وإن شئت لم تأخذ.
وإذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة، عزاه، ولم يترك حقاً لباطل، وإن نهاه فحسن.
قلت: إن كان الإجتماع، فيه موعظة للمعزى بالصبر والرضى، وحصل له من الهيئة الإجتماعية