بأهل الأرض ينادي منادي: "يا أمعاء اتسعي ولا تشبعي" فعند ذلك لا ينفع الإنسان أكله، وهذا شيء مشاهد، فقد نقل لنا أن رجلًا استيقظ في جوف الليل فجعل يتضور من الجوع فأيقظ ابنته إلى جانبه في السطح وشكى إليها ما يجده من الجوع، فإذا بها أشد خمصًا منه فقاما لطبخ الطعام، ولما شرعا فيه أبصرا غالب البيوت قد أوقدت فيها النيران للطبخ وقد أصاب الأمة ما أصابه.

ونقل لي أن رجلًا اشترى إحدى عشرة وزنة من التمر، وخرج بها من البلد لعائلته التي تبعد عن المدينة بمسافة ساعة، فما وصلهم بشيء مما كان معه، ذلك بأنه جعل يمشي ويأكل فلم يبق معه شيء فحدثت بذلك بعض من أثق به مستبعدًا وقوعه، فقال هذا فلان لرجل سماه أنه أكل في ضحى يوم اثنتين وعشرين وزنة تمر.

واشتدت المسغبة حتى جعل الناس يأكلون الأعشاب والعظام والقد والنوى وغير ذلك، ونفدت الأطعمة حتى سقط الناس في الشوارع والأزقة موتى على وجه الأرض، وكان سعر البر يباع صاعان في ريال، وسعر التمر خمس وزنات بريال فليس ذلك عن اشتداد مؤنة، غير أن الإنسان يأكل ولا يشبع فجعل الناس يموجون من الجوع ويتضاغون من حر المساغب.

وكان والدنا السعيد قدس الله روحه إذا خرج صباحًا إلى دكانه عجن الدقيق بالتمر وجعله لقمًا في زنبيل وفرقة على من يمر بهم في طريقه من الساقطين على وجه الأرض.

ونقل لنا عن رجل الخير والفضل محمد بن شريدة رئيس أعضاء أهالي بريدة أنه تصدق بكمية من التمر على فقراء أهالي بريدة إذ ذاك لا يقل ذلك القدر عن ثلاثة آلاف وزنة، ولما علم بذلك أخوه منصور شاركه وشاطره فيه يعني جعل الخارج على نفقتيهما جزاهما الله خيرًا.

وفيها حصلت مفاوضات بين ابن سعود وبيت آل رشيد لكنها لم تسفر عن شيء يذكر لا سلم ولا عن شبه سلم، فاستؤنف القتال بين الفريقين، فخرج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015