ثمرها حتى تصدعت يداه ورجلاه في طلب المعيشة ليستغني عن الناس وكان عليه عباءة بيضاء لما تساوي عشرين درهمًا قد لبسها ومر عليها عشر سنين وليس ذلك عن قلة ولكنه متواضع ويصدع بالحق لما تأخذه لومة لائم وإذا أخذ في الخطبة والوعظ والإرشاد فإنها تكاد تفصم أوصاله مما يجده من فشو المخالفات والإكباب على الدنيا وذهاب الصالحين بصوت عالي جميل وترتيل وتخنقه العبرة ويحشرج صدره غير أنه يتمالك فلا يظهر منه ما يجرح العواطف ويسيء السمعة وذلك لسعة عقله وحسن معالجته للمشاكل فلا يؤذى كوعظته على جهة التخصيص بل كان لما يوجه أحدًا بما يكره وهذه حالة النبي الأعظم في خطبه صلوات الله وسلامه عليه فإنه كان يقول: "ما بال أقوام يقولون كذا وما بال أقوام يفعلون كذا" ولما يعنيهم خشية أن يحصل لهم خجل واستحياء بين الناس وهذه هي الضالة المنشودة والغاية المطلوبة نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لحسن الإرشاد والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا عكس ما كان يفعله العابد الزاهد أخونا في الله عبد الله بن محمد أبا الخيل فإنه زميل للمترجم ويجمعهما بلد واحد وكان عبد الله يغضب غضبًا شديدًا ويحمل في موعظته وإرشاده على المسافرين إلى مصر والشام والعراق حملة شعواء وعبارة جافة جدًّا وهو وإن كان مصيبًا في ذلك ويقوم بعمل يشكر عليه غير أن المنحرفين قد لما يفيد فيهم العنف وقصة الحسن والحسين مع الشيخ الكبير الذي لما يحسن الوضوء معروفة ونصيحة الرسول عليه الصلاة والسلام وتوجيهه للرجل الذي أسلم وقال إني لا أترك الزنا مشهورة بحيث قبل إسلامه وبعدما لبث بين له الرسول مفاسد الزنا فعاهد الله على ترك الزنا وكذلك قصة صلة بن أشيم وعبد الله بن محمد بن عائشة معلومة ولما توفي الشيخ سليمان بن ناصر طلب مني أحد أنجاله أن أرثاه فكتبت هذه مرثية أنشأها الفقير إلى الله تعالى إبراهيم بن عبيد العبد المحسن في الأخ في الله والمحب فيه سليمان بن ناصر بن سليمان السعوي قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه:
على علم أمسى رهين المقابر ... نريق دموعًا من جفون المحاجر