لهم المغانم ففرَّ من فَّر منهم ممن رغب الراحة ولم يبقَّ معه سوى الأربعين الذين كانوا معه أولًا. وكانت سيرته الحربية سيرة مملؤة بالعبر تتجلَّى فيها الأمور الآتية:
أولًا: إعداد أقصى ما يمكن عداده من قوة.
ثانيًا: الحذر وبث العيون والإِرصاد، وقد كان في هذا الأمر ولا يزال صاحب القوس المعلى وهو الذي ساعده على تفهم الأمور وتداركها في وقتها.
ثالثًا: لا يقدم على المعركة إلَّا وهو مضطر لها وترى أثر هذا فيه قبل المعارك الفاصلة إذ كان يسعى مع خصمه لاجتناب المعركة وإحلال السلام فإذا لم يجد مركبًا غير الأسنة تقدم غير هياب ولا وجل.
أمَّا حلمه وعفوه فإنَّه قد امتاز بمزية فريدة في عصره ولم يورد التاريخ لها مثيلًا إلَّا ما كان في صدر الإِسلام. وكان بعدما يفوز بالنصر يلقى العدو من جلالته من الرعاية والكرم ما لا يلقى الصديق الصدوق وجميع الذين حاربوه وقاتلوه بعد أن ظفر بهم يعيشون معه كما يعيش معه أقرب المقربين إليه لأنَّ جلالته وقد خاض معركة الحياة كان عليه أن يواجه من الأصدقاء والخصوم عددًا غير قليل وأنَّه ليس أعظم بالسرور إذا قدر له أن يظفر بخصمه ثم يعفو عنه وهذا ناشئ من أمرين أحدهما أنَّه جبل على عدم الحقد في نفسه لأحد ما والثاني عملًا بقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وكان يقول عاهدوني على الإِخلاص لله والعمل على سعادة المسلمين، وأمَّا شخصي فدعوه جانبًا فيعفو عمن قدر عليه ويقول: من خدعنا بالله انخدعنا له وحسابه على الله والله من ورائه محيط. ولقد أساء إليه بيت آل رشيد فعفا عنهم بعد القدرة وأسكنهم في القصور الشامخة