وما موت فاروق الزمان بعلمه ... سوى فزعٌ ترتج منه العواصم

ولما أتاني نعيه رجفت بي ... الأرض وانسدت بقلي المناسم

وأوجب لي فيه المصاب لدهشةٍ ... عرتني إنكاماتها وأنا واجم

فلا تعجبوا أن غاب فكري ... بمن شط عني في ربى النجد حائم

وصرت إذا ما رحت أرثيه حائرًا ... من المدمع السيال والطرف ساجم

وانفض كفي من تشوش فكرتي ... أفي يقظةٍ لم أدرِ أم أنا حالم

وتبت يدا موت رمته فأقصدت ... على أنه ابن العلا وهو خادم

بكى النجد من حزنٍ عليه وأغلقت ... على موته أسواقه والمحاكم

وقد لبست ثوب الحداد تفجعًا ... عليه السماء والأرض والجو قاتم

فمن للفتاوى بعده من محررٍ ... لأقلامه فيها تسرح مراسم

ويوردها في الحال دون توقفٍ ... على رقةٍ تغتار منها النسائم

قضى العمر في نشر العلوم وحكمةٍ ... بديعية تهوى حلاها المباسم

وإن رام إظهار الخمول ليتقي ... به حاسدًا تأبى عليه الشكائم

يفوح عبير المسك وهو مختم ... ويسري برياه الدجى وهو كاتم

وكان وقورًا بالجلال إذا اجتنى ... لفصل القضاء لم يرفع الصوت ظالم

ويطرق كل رأسه في تأدب ... بدون انقباضٍ حوله وهو باسم

وكان على سمت الصلاح شعاره ... بقلبٍ خوى فيه التقى والقوادم

وقد فقدت في موته كوكب الهدى ... عريب النقا يوم القضا والأعاجم

وجاوز أهل العلم والفضل والتقى ... إلى رتبةٍ قد أعجزت من يزاحم

وقد كان يقضي حيث يمضي محررًا ... لأحكامه لا يعتريه التساؤم

ويقضي على ما عنده غير باحث ... بتفتيشه كتبًا كمن هو واهم

ويوحي إليه القلب ما يستمده ... لسانٌ فصيحٌ كلما سل صارم

وغالطنا هذا الزمان الذي به ... تساوى أخو الجهل ومن هو عالم

فلم نرَ فرقًا بين قاضٍ وغيره ... وقد كثرت فوق الرؤوس القمائم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015