أما المدينة المنورة
فهي مهاجر الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فمناخها طيب لأن الجبال لم تضايقها وتسقيها على العموم عين الزرقا ولا تخلو غالب البيوت من الآبار احتياطًا، وكانت مركز الخلافة في عهد الرسول وأبي بكر وعثمان وقد أولتها خلفاء الدولة العباسية عطفًا وعناية كما قد أولتها بعدهم الدولة العثمانية اهتمامًا وعناية ولولا ما فدحت به المدينة من الزعازع والكوارث المتتابعة التي منها وقعة الحرة والتي بعدها في زمن المنصور وغيرها وآخرها الحرب بين الأتراك والحلفاء في إمارة فخري باشا وما كابده أهلها من الجوع والمخاوف والمهالك حيث اضطر أهلها إلى الهجرة منها إلى البلدان الأخرى لكان لها منظر غير منظرها الحالي وباستيلاء الحكومة السعودية عليها عادت إليها الطمأنينة والسكون ونسأل الله تعالى أن يمنح مدينة الرسول ومهاجره التوفيق والتمكين.
وإذا أطلقت هذه الكلمة فالمراد بها بلد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومهاجره فالمدينة علم على هذه البلد التي هاجر إليها الرسول ودفن بها فإذا أطلقت تبادر إلى الفهم أنها المراد بذلك وإذا أريد بهذه اللفظة غيرها فلا بد من قيد وتسمى بيثرب وتسمى حرم الرسول، وسيدة البلدان، وطيبة، وطابة، ولها أسماء غيرها.
وكان سكانها العماليق ثم نزلها طائفة من بني إسرائيل، ثم نزلها الأوس والخزرج، ولها فضائل كثيرة.
ومن الآثار فيها قبره - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه، فإن حجرته - صلى الله عليه وسلم - ضمت جسدًا ما كان في الأرض ولا في السماء ولا العرش ولا حملته أفضل منه ما عدى الجبار جل وعلا فإنه أعظم من كل عظيم، ومن الآثار فيها منبره ومصلاه ومسجده، وقبور بنيه وبناته وزوجاته أمهات المؤمنين، وقبور أعمامه، وعماته نورها الله عليهم وصب عليها من شابيب رحمته، فيالها من مناظر تبكي الحبيب وتذرف دموع المؤمن.