" وقال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كلِّ مكان، لا يخلو من علمه مكان"
لما أنهى المصنف ـ رحمه الله ـ ذكْرَ الآيات والأحاديث في هذا الباب، وأكد على خطورة عدم الإيمان بمدلولها، أورد بعض الآثار عن سلف الأمة في الباب نفسه، فأورد أثر الإمام مالك هذا، وفيه تصريحه بعلو الله تبارك على خلقه، وأنَّه في السماء أي: في العلو، مستو على عرشه، بائن من خلقه. ومع كونه سبحانه وتعالى في السماء فعلمه محيط بالخلق، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وكثيراً ما يأتي الجمع بين هاتين الصفتين: الاستواء والعلم في القرآن، نحو قوله تعالى في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} ، وقال تبارك وتعالى في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} فذكر الاستواء ثم ذكر العلم. وفي سورة السجدة، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ثم بعدها بآية قال: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} . وفي سورة الرعد، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ثم بعدها بخمس آيات قال: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} ،