ثم ذكر المصنف حديثاً في الفرق بين الإسلام والإيمان فقال:
" وروى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:""أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وأنا جالس، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلاً هو أعجبهم إلي، فقمت فقلت: مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمناً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً. ذكر ذلك سعد ثلاثاً وأجابه بمثل ذلك. ثم قال: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه " "
هذا الحديث يبين الفرق بين رتبة الإسلام ورتبة الإيمان، فقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رهطاً ـ والرهط: الجماعة ما بين الثلاثة والعشرة ـ نفقة، وترك رجلاً من بينهم. ولما ظنَّ سعد رضي الله عنه أنَّ العطاء بحسب الإيمان وقوته ـ وكان يرى أنَّ هذا الرجل أفضلهم ديناً وطاعة وعبادة ـ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمناً " فنبهه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " أو مسلماً " أي احكم عليه برتبة الإسلام التي يحكم بها على كلِّ من صلح ظاهره، ولا تحكم عليه بالإيمان لأنَّه مبني على معرفة ما في باطن العبد؛ إذ هو راجع إلى صلاح الباطن مع صلاح الظاهر، وهذا شيء لا يطلع عليه الناس.
فلا يطلق الحكم بالإيمان على شخص إلا بالاستثناء ـ كما سبق ـ فيقال: هو مؤمن إن شاء الله، كما يمكن إطلاق الحكم بالإيمان في الخطاب العام ويكون المقصود أصله، كما يقول الخطيب يوم الجمعة أيها المؤمنون، أو يا أيها الذين آمنوا.
" ذكر ذلك سعد ثلاثاً وأجابه بمثل ذلك " أدركت سعداً رضي الله عنه الرحمة والمحبة لهذا الرجل لما يرى من صلاحه فكرر كلامه ثلاثاً، ويكرر النبي صلى الله عليه وسلم جوابه. ثم بين له النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة والمقصد من العطاء فقال: " إني