" والفرح " أي: ومن الصفات الثابتة لله تبارك وتعالى الفرح، ومن أدلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال ـ من شدة الفرح ـ: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح" 1.
هذا غاية ما يوصف من فرح العباد، فيقول صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا براحلته.
ففي هذا الحديث وصف الله عز وجل بالفرح، وأنَّه يفرح بتوبة التائبين وطاعة الطائعين وإقبال المقبلين، يفرح بهم مع غناه عنهم ـ وهذا من كمال فضله وتمام إنعامه سبحانه وتعالى ـ فرحاً ليس عن حاجة ولا افتقار؛ فلا تزيد توبة التائبين وإنابة المنيبين في ملكه شيئاً، كما قال سبحانه في الحديث القدسي:"يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً"2. وهذا بخلاف المخلوق فإنَّ فرحه غالباً يكون بشيء يحتاج إليه.
وإذا علم العبد أنَّ ربه يفرح وآمن بهذه الصفة، فينبغي له أن يحقق آثارها وموجباتها في نفسه، فإذا كان الله يفرح بتوبة التائب فلماذا لا يتوب؟! فما أكثر الذنوب عندنا، وما أكثر التقصير والمخالفات والأخطاء.