والثاني: تعطيله للنص المثبت لهذه الصفة عن مدلوله، فهو لم يؤمن بمدلول قوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وهذا نوع آخر من التعطيل وقع فيه.
والثالث: تعطيله للآيات الكثيرة النافية للتشبيه، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} 2، ونظائرها من الأدلة. فهذه أنواع من التعطيل وقع فيها المشبه.
ولا يسلم من التشبيه والتعطيل إلا صاحب السنة، الذي يثبت لله عز وجل صفة كماله، على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته سبحانه.
وفي هذا السياق الذي نحن بصدده أذكر قصة دارت بيني وبين شخص لا تخلو من فائدة مهمة في هذا الباب. مرة في المسجد النبوي صلى بجواري رجل من إحدى الدول، وجرى بيني وبينه بحث في موضوعات مختلفة، من بينها صفات الله جل وعلا، فقال لي: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 3 ـ وأشار إلى يده ـ وقال: هذه جارحة، يده: قدرته. فلما تحدث وفعل ما فعل اتَّضح لي بالمعاينة ما قرره أهل العلم من أنَّ مرتكز التعطيل وأساسه: التشبيه الذي قام في نفوس هؤلاء، فإنه لما قرأ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} كان يقرأ الآية وهو يشير إلى يد نفسه، وقال: يده قدرته. إذاً قوله: " يده قدرته " جاء من تلاوته للنص وفهمه منه يداً كيد المخلوق. فلما لم يفهم من النص إلا التشبيه، فلابد أن ينزه الله عن هذا التشبيه. فقلت ـ بمجرد فراغه من كلامه ـ: لماذا تشبه الله؟ قال لي: أنا لا أشبه الله. قلت: بل أنت تشبه الله، أنت تقرأ الآية وتشير إلى يد نفسك، وهذا عين التشبيه، وهذا التشبيه الذي وقع منك هو الذي جرك إلى التعطيل. أما أهل السنة عندما يقرءون هذه الآية وغيرها من الآيات المثبتة لصفات الرب لا يخطر ببالهم ـ فضلاً عن أن يتكلموا به بألسنتهم