والعجب أن التلاميذ عندكم أفضل من إدريس وإليا وغيرهم وقد قتلوا وماتوا ودفنوا في الإرض، فليس في صعود السماء ما يدلّ على ما يذهبون إليه.
فإن قيل: فالمسيح أخبر بالمغيِّبات وعَرَّف تلاميذه بما سيحدث في المستقبل1 ولا يعلم الغيب إلاّ الله سبحانه.
قلنا: التعلق بذلك يصلح لإثبات النبوة والرسالة، أما أنه يصلح لما تدّعونه فلا. والدليل على ذلك أنّ نوحاً وإبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وجماعة من الأصفياء قد أخبروا بالمغيَّبات فوقعت على وفق خبرهم. فأخبر نوح بالطوفان وهلاك الخلق بأسرهم إلاّ من ركب سفينته2، وأخبر إبراهيم بأن ذريّته يكونون في العبودية والسخرة بمصر المدة الطويلة3، وأخبر يعقوب بأن الله سيذكر بني إسرائيل ويخرجهم من مصر إلى بلادهم بيدٍ / (1/176/أ) منيعة غزيزة قوية4، وأخبر موسى بشتات أمر اليهود وعبادتم الأصنام والأوثان وإعراضهم عن طاعة الله الذي أنقذهم من سخرة فرعون5، وأخبر يوسف بالغلاء والمجاعة التي تعمُّ الأرض سبع سنين6، وأخبر دانيال بختنصر بمغيبات كثيرة7. فلم يخرم مما قالوا ولم يخلف كما شهد بذلك كله التوراة