كانت أجساد الموتى فيما مضى من الأزمنة الأولى تدفع الى السماء بأن تلقى في الصحارى مكشوفة لها ويخرج المرضى اليها وإلى الجبال ويتركون فيها، فإن ماتوا كانوا كما قلنا وإن أبلّوا رجعوا بأنفسهم إلى منازلهم، ثمّ جاء بعد ذلك من «1» تولّى وضع السنن وأمرهم بدفعها الى الريح، فأقبلوا على بناء بيوت لها مسقّفة بحيطان مشبّكة يهبّ الريح منها عليها على مثال الحال في نواويس المجوس، ومكثوا على ذلك برهة الى أن رسم لهم «ناراين» دفعها الى النار فمنذ ذلك الوقت يحرقونها فلا يبقى منها شيء من وضر أو عفونة أو رائحة إلّا ويتلاشى بسرعة ولا يكاد يتذكّر؛ والصقالبة في زماننا يحرقون الموتى ويتخيّل من جهة اليونانيّين أنّهم كانوا فيهم بين الإحراق وبين الدفن، قال «سقراط» في كتاب «فادن» لمّا سأله «أقريطن» على أيّ نوع يقبره فقال: كيف ما شئتم أن انتم قدّر تم عليّ ولم أفرّ منكم، ثمّ قال لمن حوله: تكفّلوا بي عند أقريطن ضدّ الكفالة التي تكفّل هو بي عند القضاة فإنّه تكفّل على أن أقيم وأنتم فتكفّلوا على أن لا أقيم بعد الموت، بل اذهب ليهون على أقريطن إذا رأى جسدي وهو يحرق أو يدفن فلا يجزع ولا يقول: أنّ سقراط يخرج أو يحرق أو يدفن، وأنت يا أقريطن فاطمئنّ في دفن