التعمق في المعنى:

ومن المداخل الخطيرة على البعض -وبخاصة من أراد الانتفاع بالقرآن- قناعتهم بضرورة الوقوف عند كل كلمة في القرآن، والاجتهاد في معرفة معناها، والتعمق فيها، ومن ثمَّ لا تتجاوز حصيلة القراءة بضع آيات، ويصبح القرآن وكأنه يخاطب عقله فقط، دون أن يؤثر في قلبه، فتصير ثمرة قراءته مجرد زيادة في معارفه العقلية دون زيادة للإيمان في قلبه، مما يجعله -بعد مدة من الزمن- يمل من هذه الطريقة، ويتسرب إليه الشعور بالندم على فوات الأجر الذي كان سيحصِّله حين يقرأ جزءًا أو جزءين في هذا الوقت، ومن ثمَّ فإن هذا الشعور سيدفعه للعودة إلى القراءة السريعة مرة أخرى.

وصايا الصحابة:

عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]، فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبُّ؟

ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا هو التكلف يا عمر.

وفي رواية: هذا لعمر الله التكلف، اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب (?).

ومن أقوال عبد الله بن مسعود:

تعلموا قبل ذهاب العلم، فإن من ورائكم قومًا يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فتعلموا قبل ذهاب العلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وإياكم والتعمق، وعليكم بأمركم العتيق (?).

فالمطلوب أن نمرر ما لا نفهمه ونكتفي بالفهم الإجمالي -حسب الطاقة- فبه سيتحقق الهداية بمشيئة الله.

ولقد مر علينا أنه لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه قال عبد الرحمن بن أبزى لأُبي ابن كعب رضي الله عنه: أبا المنذر ما المخرج؟ قال: كتاب الله، ما استبان لك فاعمل به وانتفع، وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه (?).

هل يمكننا التأثر بكل آية؟!

البعض ممن وضعوا التدبر والتأثر هدفًا لهم لا يرضون بأن تمر عليهم آية بدون تأثر أو انفعال، مع أن هذا غير مطلوب، فالمطلوب هو تدبر إجمالي، وترتيل، وتباك، ثم انتظار للتأثر الذي لا يمكن توقع موضع حدوثه، لأن هذا الأمر ليس بأيدينا، بل هو منحة من الله عز وجل يمنحها لمن يكثر من الإقبال على القرآن بإنصات وتركيز ملتمسا الهدى، ولا يمكن لأحد أن يتوقع موضع التأثر.

ومع ذلك ترى البعض يريد التأثر مع كل آية فتجده يكرر الآية مرات ومرات حتى يحدث التأثر، فينتج عن ذلك مُكثه وقتًا طويلاً مع بضع آيات من القرآن.

فيفاجأ أنه بعد مرور أيام كثيرة لم تتجاوز قراءته عدة صفحات، فيدخل عليه الشيطان من باب أنه بذلك قد هجر القرآن لأنه لن يختمه إلا في عدة شهور - إن ختمه - ويستحثه في ضرورة العودة للقراءة السريعة.

ويزداد إلحاح الشيطان عليه بترك التدبر عندما تحول الظروف بينه وبين القراءة بضعة أيام، فإذا ما عاد إلى القرآن دخل عليه الشيطان من باب تخويفه من هجر القرآن، فيوهمه بضرورة الإسراع في القراءة بفهم أو بدون فهم لإدراك ما فاته.

مدة الختم:

ومن المداخل المُبْعدة كذلك اقتناع البعض بضرورة ختم القرآن في مدة أقصاها شهر أو أربعون يوما حتى لا يكون هاجرًا له، فيؤدي ذلك إلى الإفراط في سرعة القراءة في بعض الأيام حتى يتسنى له ختم القرآن خلال المدة المحددة، وبالتالي تقل فرصة التدبر والتأثر ...

أخرج ابن أبي داود عن مكحول قوله: كان أقوياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرءون القرآن في سبع، وبعضهم في شهر، وبعضهم في شهرين، وبعضهم في أكثر من ذلك (?).

ويقول محمد أبو شهبة في كتابه «المدخل لدراسة القرآن الكريم»:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015