خامسًا: غياب أثر القرآن

ومن العوامل التي أدت إلى ضعف الإيمان بالقرآن غياب أثره في حياة الكثير من المنشغلين به.

نعم، هناك نماذج قرآنية تظهر بين الحين والآخر، ولكن نسبتها قليلة بالمقارنة بالمجموع.

وعندما يرى عموم الناس أن أخلاق غالبية أهل القرآن لا تختلف عن أخلاق غيرهم، بل على العكس فقد يروا من البسطاء أخلاقًا وسلوكيات قد لا يجدوها من المنشغلين بالقرآن .. فإن هذا من شأنه أن يؤثر على نظرتهم للقرآن تأثيرًا سلبيًا، لتزداد مكانته انحصارًا في النفس، ويدخل في نطاق التقديس الشكلي المحض.

فإذا ما حدثتهم عن ضرورة الانتفاع بالقرآن كما انتفع به الجيل الأول، قفزت إلى أذهانهم الأمثلة التي يعرفونها ويحتكون بها من المنشغلين بالقرآن، و التي لا يرون فيها النماذج الصحيحة، لذلك فإن كلماتك - في الغالب - لن تجد لها صدىً إيجابيًا في نفوسهم.

والأمثلة على هذا الكلام موجودة في كل مكان - إلا من رحم الله - وسنكتفي في هذه الصفحات بعرض رسالة نُشرت في مجلة «الزهور» المصرية، وهي تُعبر عن وضع مؤلم نعيشه، فيه الكثير من المتناقضات بين القول والفعل، والواجب والواقع .. وعنوان الرسالة هو:

النصف الهارب!

كادت الفتاة أن تطير فرحًا عندما اختارها هي من بين كل الفتيات، وتقدم لخطبتها .. تخيلت حياتها معه فرقص قلبها. وشعرت بأنها امتلكت الدنيا، والآخرة معًا، فالشاب يحفظ القرآن كاملاً، ويخطب الجمعة في مسجد الحي. ولا يفوته فرض في جماعة، ولن تكون حياتها معه إلا جنة على الأرض ترفرف عليها ملائكة الطاعة والسعادة، ولا يعرف الشقاق لها طريقًا.

وعندما طلبت أم الفتاة من زوجها أن يسأل عن الشاب أجابها بابتسامة عريضة: يا حاجَّة أسأل على من؟! توكلي على الله فالرجل تسبقه سيرته، وعلامة الصلاة التي تزين جبهته!

وتم الزواج سريعًا بعد خطبة قصيرة، وعقد لم يتجاوز أيامًا، ودخلت الفتاة جنتها، أو ما كانت تظنه جنة! ففي البيت المشترك .. وفي ظل ستر الجدران والأسقف سقطت الأقنعة، وظهر الوجه الحقيقي المخيف للزوج، ووجدت الفتاة نفسها في كنف من لا يرعى فيها إلاًّ ولا ذمة، فالجبين المزدان بسيمة السجود مقطب دائمًا، واللسان الرطب بالذكر لا يخاطبها إلا بسوء، والوجه الذي شدها نوره يشيح عنها كلما تحدثت إليه أو سألته شيئًا، وتطور الأمر أكثر؛ فإذا باليدين اللتين طالما ارتفعتا بتكبيرة الإحرام توجهان إليها اللكمات إذا احتد الخلاف بينهما، والقدمين اللتين كم مشتا إلى المساجد تركلان أي شيء في طريقهما عندما يغضب!

انسحبت الفرحة وحلاوة التوقع من نفس الفتاة؛ لتخليا مكانهما للصدمة ومرارة الواقع، والإحساس القاسي بالخديعة ..

كانت تسترجع كلماته عن البيت المسلم، وتقارنها بأفعاله، فتهز رأسها غير مصدقة .. تتذكر ما قاله عن صلة الرحم، وكيف يكون البيت قبلة، وتقيسها إلى فظاظته مع ذوى قرباه، وسوء استقباله لأقاربها، فتكاد أن تجن! تتأمله وهو يطيل صلاة النوافل فتشعر أنها أمام ملاك، فإذا خرج من صلاته شعرت بأنه يخلع ثوبه ليرتدي ثوب إنسان لا يظن من يتعامل معه أنه ركع مرة في حياته!

عاتبته .. فتذرع بالقوامة، حاجَّته بالقرآن والسنة فاتهمها بالتفلسف وسوء الأدب، سألته التحكيم فرفض بإباء، وأكد أنه غير مخطئ .. شكته إلى أبيها فاتهمها بالمبالغة، والإساءة إلى الرجل الطيب «السُّكرة» على حد تعبيره!

فضفضت مع أمها، فقالت بانزعاج: صحيح .. «حسبناه موسى فكان فرعون»، ثم أردفت بأسى: ولكن اصبري يا ابنتي، وأجرك على الله.

وعندما تيقن الأب من صدق ابنته، لم يستطع أن يواجه نظرات زوجته اللائمة، وهي تقول له: قلت لك: اسأل عنه يا حاج!

وتمر الشهور والسنوات والزوج لا يستجيب لنصح، ولا يقبل مراجعة، ولا ينحني للحق!

أعيت الأب الحيل .. ونفض الوسطاء أيديهم بعدما فقدوا الأمل .. ولم تملك الأم إلا البكاء ومحاولة التصبر إكرامًا للصغير الذي رزقت به ابنتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015