إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ولم يأتوا الأمر من قِبَل أوله، قال الله عز وجل {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}.
وما تدبر آياته إلا اتباعه لعلمه، والله يعلمه.
أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أُسقط منه حرفا، وقد أسقطه كله، ما بدا له القرآن في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: والله إني لأقرأ السورة في نفس واحد.
والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، ومتى كانت القراء تقول مثل هذا؟ لا كثر الله في الناس مثل هذا (?).
ويقول أبو شامة المقدسي:
لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز هِمَّةً إلا في قوة حفظه، وسرعة سرده، وتحرير النطق بألفاظه، والبحث عن مخارج حروفه، والرغبة في حسن الصوت به.
وكل ذلك- وإن كان حسنا - ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم، وأولى، وأحرى، وهو فهم معانيه، والتفكر فيه، والعمل بمقتضاه، والوقوف عند حدوده، وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته (?).
ابن تيمية يؤكد على هدف نزول القرآن:
يقول ابن تيمية رحمه الله:
ولا يخفى على أولى الألباب أن المقصود بنزوله اتباعه، والعمل بما فيه، إذ العاملون به هم الذين جُعلوا من أهله، وأن المطلوب من تلاوته تدبره، وفهم معانيه، لذلك أمر الله بترتيله والترسل فيه ليتجلى أنوار البيان من مشارق تبصرته، ويتحلى بآثار الإيمان من حقائق تذكرته (?).
البنا يُذكِّر بالهدف:
ومن أقوال الإمام حسن البنا رحمه الله:
لم ينزل القرآن من علياء السماء على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون تميمة يحُتجب بها، أو أورادًا تُقرأ على المقابر وفي المآتم، أو ليُكتب في السطور، ويحفظ في الصدور، أو ليحُمل أوراقًا ويُهمل أخلاقًا، أو ليحفظ كلامًا ويهُجر أحكامًا .. وإنما نزل ليهدي البشرية إلى السعادة والخير {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16] (?).
ويقول في نفس المعنى:
فليس المقصود من القرآن: مجرد التلاوة، أو التماس البركة، وهو مبارك حقًا، ولكن بركته الكبرى في تدبره، وتفهم معانيه ومقاصده، ثم تحقيقها في الأعمال الدينية والدنيوية على السواء، ومن لم يفعل ذلك، واكتفى بمجرد التلاوة بغير تدبر ولا عمل، فإنه يُخشى أن يحق عليه الوعيد الذي يرويه البخاري عن حذيفة رضي الله عنه: «يا معشر القراء: استقيموا فقد سبقتم سبقًا عظيمًا وإن أخذتم يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا» (?).
هل نقرأ لنفهم أم نقرأ لنقرأ؟!