فالمرض موجود، وأعراضه بادية لكل ذي عينين، والتشخيص واضح، والدواء موجود .. أنزله رب العالمين ليحدث بإذنه شفاءً تامًا لا يغادر سقما، ولكننا لا نريد تناوله على الرغم من معاناتنا الشديدة من المرض ..

لماذا؟!

لأننا باختصار لا نثق في أن القرآن الموجود بين أيدينا، وفي بيوتنا يستطيع أن يحل مشكلاتنا، ويعيد لنا مجدنا.

نعم أخي، إن السبب الأساسي لعدم انتفاعنا بالقرآن هو:

ضعف الثقة والإيمان به كدواء كافٍ شاف وكوسيلة تقويم وتغيير فذة.

أما كيف وصلنا لهذا المستوى من ضعف الإيمان والثقة بالقرآن، فبلا شك أن هذا لم يحدث في يوم وليلة، بل حدث عبر قرون طويلة، بسبب عوامل كثيرة ساهمت مجتمعة أو متفرقة في انزواء القرآن في ركن صغير في نفوسنا، ويمكن إجمال هذه العوامل والأسباب في الآتي:

أولاً: الصورة الموروثة عن القرآن.

ثانيًا: طول الإلف.

ثالثًا: نسيان الهدف من نزول القرآن.

رابعًا: الانشغال بفروع العلم والتوسع فيها على حساب القرآن.

خامسًا: غياب أثر القرآن.

سادسًا: كيد الشيطان.

سابعًا: مفاهيم وممارسات ساهمت في عدم الانتفاع بالقرآن.

ولنبدأ - بعون الله - الصفحات القادمة في تناول كل سبب من هذه الأسباب بشيء من التفصيل.

* * *

أولاً: الصورة الموروثة عن القرآن

بعد أن ينزل الجنين من بطن أمه، ويبدأ في النمو شيئًا فشيئًا، ثم يدخل مرحلة الإدراك، فإنه يرى أمورًا كثيرة تحدث من حوله .. هذه الأمور تقع في ذاكرته، فإذا ما تكرر بعضها أمامه فإنها تنتقل إلى منطقة اللاشعور في عقله لتشكل معتقدًا لديه (?).

فعلى سبيل المثال: عندما كان يشعر بالعطش كانوا يحضرون له شيئًا كل مرة، فاستقر في يقينه - مع الوقت - أن هذا الشيء هو الذي يدفع عنه العطش، ثم بعد ذلك يعلم اسم هذا الشيء، فيطلبه بتلقائية عند عطشه.

وعندما يجد أبويه يتوقفان عن الكلام عند سماع شيء ما يصل إلى مسامعه عدة مرات في اليوم، فإن ذاكرته تختزن هذه الصورة من الاحترام (للأذان).

وهكذا في سائر الأمور التي يجدها في بيئته الأولى، فكل ما يُقَّدس في بيته، يُقَدسَّ عنده، والعكس صحيح، فهو لا يأبه بالأمور التي لا يهتم بها أهل البيت.

وفي هذا المعنى يقول جودت سعيد:

الأطفال الذين تدفعهم الأرحام إلى الوجود ولا يملكون فكرًا أو كلامًا، أو كتابة، وليس لديهم إلا الاستعداد لأن يكونوا أي شيء تكون عليه بيئتهم، فكل طفل يولد في العالم العربي يصير عربيًا في لسانه وفكره، حين لا يرى غير قومه، والصيني يصير بوذيا، والهندي برهميا، وكذلك كل أطفال أهل الملل والنحل واللغات (?).

وكما قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوَّدانه أو يُنصَّرانه، أو يمجِّسانه .. » (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015