ومما لا شك فيه أن أقصى ما كانوا يطمحون إليه في تعاملهم مع اللغة العربية؛ أن يصلوا إلى المستوى اللغوي لأي شخص يعيش في البلاد العربية، وينطق بها بسلاسة وطلاقة، تمامًا مثلما يطمح من يتعلم منا اللغة الإنجليزية - على سبيل المثال - وبلا ريب أن مستوى تذوقهم للغة العربية وأساليبها وبلاغتها سيكون أقل منا بمراحل، ومع هذا فقد رأينا تأثرهم البالغ بالقرآن والذي عبرَّ بعضهم عنه بالكلمات السابقة (?).

عودة إلى العصر الأول لنزول القرآن:

فإذا ما عدنا للعصر الأول لنزول القرآن نجد نماذج -لها علم بالعربية لكنها ليست لسانها- قد تأثرت تأثرًا عظيمًا بالقرآن كالنجاشي الذي تأثر بسماعه آيات من سورة مريم، وبكى حتى أخضلت دموعُهُ لحيته، ثم قال: إن هذا والذي جاء به عيسى - عليه السلام- ليخرج من مشكاة واحدة (?). وأسلم رحمه الله.

وليس معنى هذا هو التقليل من شأن أهل اللغة العربية أصحاب التذوق الصحيح لها، بل العكس؛ فهم الأئمة الذين ينبغي أن ينتشروا بين المسلمين فيبينوا لهم ما أشكل عليهم فهمه من القرآن فيزدادوا به هداية.

كل ما نقصده أن تعلم العربية من كل جوانبها ليس شرطًا أساسيًا للانتفاع بالقرآن.

أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن أن الحارث بن قيس قال: كنت رجلاً في لساني لكنة (?)، فقيل لي: لا تَعَلَّم القرآن حتى تَعَلَّم العربية، فأتيت عبد الله فذكرت ذلك له، فقلت: إنهم يضحكون مني، ويقولون: تعلم العربية قبل أن تعلم القرآن، فقال: لا تفعل، فإنك في زمان تحفظ فيه حدود القرآن، ولا يبالون حفظ كثير من حروفه، وإن بعدك زمان تحفظ فيه الحروف وتُضيَّع فيه الحدود (?).

من هنا يتضح لنا أن عدم انتفاعنا بالقرآن في تحقيق الهداية والشفاء والربانية ليس بسبب ضعف تذوقنا للغة العربية ..

ولكن ما السبب إذن؟!

هب أن شخصًا ما قد أصابه مرض شديد له أعراض كثيرة، وتم تشخيص مرضه ووصف الدواء المناسب له بواسطة طبيب من الأطباء، وعندما سأل عن الدواء اكتشف بأنه (الأسبرين) فقط والذي تمتلئ به الأدراج في بيته.

أليس من المفترض أن يبدأ في تناول الدواء؟!

ولكن إن لم يفعل ذلك، وأصر على الذهاب، لطبيب آخر .. فبماذا تبرر هذا التصرف؟!

أليس هو استخفافه بهذا الدواء، وعدم إيمانه بأن يكون الأسبرين سببًا في التخلص من مرضه الشديد، وذهاب أعراضه المؤلمة.

إن أمر القرآن معنا أشد من أمر الأسبرين مع هذا المريض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015