وَأقرب لحصوله ثمَّ أكد الطّلب فَقَالَ وأوله وَآخره وَظَاهره وباطنه ثمَّ سَأَلَهُ خير مَا يَأْتِي أَي خير الَّذِي يَأْتِيهِ من جَمِيع الْأُمُور فَيشْمَل الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال كَمَا يدل عَلَيْهِ الْمَوْصُول وَعطف عَلَيْهِ خير مَا يَفْعَله وَخير مَا يعمله وَخير مَا يبطنه وَخير مَا يظهره وَذَلِكَ من عطف الْخَاص على الْعَام والنكتة فِيهِ مَعْرُوفَة ثمَّ سَأَلَهُ أَن يرفع ذكره لِأَنَّهُ يَتَرَتَّب على ذَلِك مصَالح من قبُول الدُّعَاء إِلَى الْحق وامتثال الموعظة الْحَسَنَة

وَهَذَا قد سَأَلَهُ خَلِيل الله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا حكى الله سُبْحَانَهُ عَنهُ ذَلِك بقوله {وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين} وَقد امتن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ {ورفعنا لَك ذكرك} ثمَّ سَأَلَهُ وضع وزره أَي غفران ذنُوبه وَالْعَفو عَنْهَا وَسَأَلَهُ إصْلَاح أمره وَهُوَ يَشْمَل كل أُمُوره كَمَا يدل عَلَيْهِ إِضَافَة اسْم الْجِنْس إِلَى الضَّمِير وَسَأَلَهُ تَطْهِير قلبه لِأَنَّهُ إِذا تطهر الْقلب ابصر الْحق فَتَبِعَهُ وَعرف الْبَاطِل فاجتنبه وَسَأَلَهُ تحصين فرجه لِأَنَّهُ يكون بذلك الْعِصْمَة عَن الذُّنُوب الْمُتَعَلّقَة بالفرج وَهِي تنبعث بانبعاث الشَّهْوَة من النّظر الْمحرم وَنَحْوه وَسَأَلَهُ أَن ينور قلبه لِأَن تنوير الْقلب يسْتَلْزم الْهِدَايَة إِلَى الْحق واتباعه وَاجْتنَاب الْبَاطِل والنفور عَنهُ وَسَأَلَهُ غفران ذَنبه لِأَن بمغفرة الذَّنب فوز العَبْد فِي الدَّار الْآخِرَة وَسَأَلَهُ أَن يُبَارك لَهُ فِي سَمعه وبصره لِأَن بِالسَّمْعِ تلقى جَمِيع المسموعات وبالبصر إِدْرَاك جَمِيع المبصرات وَإِذا بورك لَهُ فيهمَا قبل الْحق ورد الْبَاطِل وَهَكَذَا الْمُبَارَكَة فِي الرّوح فَإِنَّهَا إِذا كَانَت الرّوح مباركة كَانَت جَمِيع الْأَعْمَال الصادرة عَنْهَا مباركة جَارِيَة على الصَّوَاب مَاشِيَة على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَقد يُرَاد بِالروحِ هُنَا نفس الشَّخْص ليَكُون من عطف الْعَام على الْخَاص وَقد يُرَاد حَقِيقَة الرّوح وَهُوَ الْجَوْهَر الْمُجَرّد وَقد تعرض كثير من النَّاس للْكَلَام عَلَيْهِ وَبَيَان ماهيته تناهت الْأَقْوَال فِي ذَلِك إِلَى مَا لَا يَتَّسِع الْمقَام لبسط بعضه فضلا عَن كُله وَقد اخْتصَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْعلمِ بِهِ ثمَّ سَأَلَهُ تَحْسِين خلقه وخلقه وَالْأول بِفَتْح الْخَاء وَهُوَ جمال الصُّورَة وَالثَّانِي بضَمهَا وَهُوَ حسن الْأَخْلَاق الصادرة عَن الشَّخْص وَإِذا بورك فيهمَا كَانَ سَببا لجلب الْخَيْر وَدفع الشَّرّ وَقد ورد فِي حسن الْأَخْلَاق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015