الطريقة وعدلتما عنها إلى ما تقتضيه السنة المأثورة وأحسنتما إلى من في أيديكما، وتركتماهم على أديانهم، ولم تكرهاهم على خلاف آرائهم، وإلا لعنا كما وتبرأنا منكما وحرمناكما. فلما وصلنا إلى القسطنطينية أوصل رسول البطرك والقاثليق إلى الملكين وحجبت وخلوا به ووقفا على ما ورد معه، وتركانا أياماً ثم أحضراني إليهما، فسلمت عليهما وقال لي ترجمانهما: الملكان يقولان: الذي أُدي إلى ملك العرب من فعلنا بأسارى المسلمين كذب وشناعة، وقد أذنا في دخولك دار البلاط لتشاهدهم وتسمع شكرهم وتعلم استحالة ما ذكر لكم في أمرهم. وحملت إلى دار البلاط فرأيتهم كأنهم خارجون من القبور، وقائمون إلى النشور، ووجوههم دالة على ما كانوا فيه من الضر والعذاب، إلا أنهم في حال صيانة مستأنفة، ورفاهة مستجدة، وتأملت ثيابهم فكانت جدداً كلها، فتبينت أنني أخرت ذلك التأخير حتى غير أمرهم وجدد زيهم، وقالوا لي: نحن شاكرون للملكين فعل الله لهما وصنع مع إيمائهم إلي بأن حالهم كانت على ما تأدى إلينا، وإنما خفف عنهم وأحسن إليهم بعد حصولي هناك. وقالوا لي في عرض قولهم: كيف عرفت صورتنا؟ ومن تنبه على مراعاتنا حتى أنفذك من أجلنا؟ فقلت: ولي الوزارة الوزير أبو الحسن علي ابن عيسى وبلغه خبركم، فأنفذ وفعل كذا وكذا. فضجوا بالدعاء له، وسمعت امرأة منهم تقول: قر يا علي بن عيسى، لا نسي الله لك هذا الفعل. قال أبو يحيى بن مكرم: فلما سمع الوزير ذلك بكى بكاء شديداً، ثم سجد لله تعالى شاكراً وحامداً، وبر الرسول وصرفه. وقلت لعلي بن عيسى: أسمعك

أيها الوزير تتبرم بالوزارة في خلواتك، وترغب في الانصراف عنها تحرجاً من آثامها، فلو كنت معتزلاً لها ومتخلياً منها هل كنت تقدر على مثل هذه الحال الجامعة لجمال الدنيا وثواب الآخرة وطيب السمعة وحسن العاقبة؟ أيها الوزير تتبرم بالوزارة في خلواتك، وترغب في الانصراف عنها تحرجاً من آثامها، فلو كنت معتزلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015