وانصرف المحسن إلى أبيه وعرفه ما جرى، وقد كان أخر طعامه انتظاراً لحضوره. فلما وقف من الصورة على ما أخبره به قلق من ذلك قلقاً شديداً وقال: كان يجب يا بني ألا تفعل ما فعلته وتقبل ما أُمرت به كله، وأنت حدث لم تجرب الأمور، ومغرور لم تتدرب، وقد أفسدت أمر علي بن عيسى علينا. ووالله لا سلم بعد هذا إلينا. ووجه من وقته إلى هشام بن عبد الله فاستحضره، وأعلمه ما كان من المحسن وجنايته في أمر علي بن عيسى، وقال له: ستعظم زيدان على الخليفة والسيدة ما جرى، وتجعل ذلك طريقاً إلى نزع جبته وفك قيده، وألا يسلم إلينا، فما الرأي عندك؟ قال: أن تكتب الساعة إلى الخليفة رقعة بخطك لا بخط كاتب من كتابك، وتذكر له ما انصرف به إليك أبو أحمد من خبر علي بن عيسى، وأن ذلك أقلقك وأزعجك، وشق عليك وبلغ منك، حتى دعاك إلى ترك الأكل، وتنسب المحسن إلى الحداثة وركوب الخطأ فيما فعله، وتقرظ علي بن عيسى، وتستعطف رأيه له، وتذكره ما سلف من حقوقه وحرماته، وتسأله الصفح عنه، والتجاوز عما أنكره منه، وترغب إليه في فك قيده ونزع الجبة عنه. لتوهمه بذلك إنكارك للقصة، وتشيع أن تنحية قيده وجبته بشفاعتك، وتمن على علي بن عيسى بما صدر عنك. فأما متى لم تفعل هذا فعل بغير مرادنا، وخسرنا الحمد والمنة، وحصلنا على القباحة والشناعة. فقال ابن الفرات: صدقت وأصبت الرأي. وكتب الرقعة وأنفذنا مع صافي الخادم، وكان يحمل رقاعه إلى المقتدر بالله، فأخذها مفلح منه، وأوصلها، وعاد الجواب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015