أولاً؟ فقال له نازوك: ما أستحسن أن أحضر مكروه رجل قبلت يده عشر سنين، وله عندي من الأيادي والفضل، ومع ذلك فهو شيخ يتدين ويصوم الدهر. فاغتاظ المحسن وقال للقواد الباقين: إن جلستم وإلا قمت، فلست صاحب شرطة، فقعدوا. وأخذ ياقوت وصالح من بينهم يستعطفانه لعلي بن عيسى، وسألاه ألا يلبسه الجبة الصوف ولا يجري عليه مكروهاً. فقال: لا أفعل إلا أن يكتب خطه بأداء ثلاثين ألف دينار في عشرين يوماً، إذ لا أقل من ذلك، فقال علي ابن عيسى: لا أكتب بما لا أفي به ولو قطعت يدي. فألبسوه الجبة حينئذ، وقال له: لم يبق إلا المكروه فإن استجبت وإلا امتثلت أمر أمير المؤمنين في إيقاعه بك، وكنت أنت الذي توقعه بنفسك. فقال: إذا كتبت بما لا أتمكن منه وقع المكروه بحجة، وإن وقع بي الآن كنت مظلوماً. فدعا المحسن بعشرة غلمان كان قد واقفهم على أن يشددوا المكروه به، وأمرهم بصفعه، فصفعه كل واحد صفعةً عظيمة، فصاح في ثلاث: أوه. وقال في الباقي: أستغفر الله من ذنب مكن مثلك من مثلي. وكان مفلح قد قام ودخل إلى حضرة المقتدر بالله قبل ما جرى على علي بن عيسى وكان قريباً من الموضع. فلما سمع المقتدر قوله واستغفاره باللفظ الذي وصله به رق له ورحمه وقال: ما أشك في أن علي بن عيسى خير عند الله من المحسن، وقد وقع السرف فيما عومل به وبلغ منه. فأخرج وحل بين المحسن ومكروهه. ورده إلى محبسه. وقامت القيامة على السيدة وزيدان بما جرى وقالتا: إنما صنا ابن الفرات ومنعنا أعداءه منه لما كان يصون الوزراء ويعرف حقوقهم، والآن فقط بسط هذا المجنون ابنه لما يخالف العادة ويورث القباحة والشناعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015