توفي ثابت بن الدحداح فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعاصم بن عدي: أله فيكم نسب؟ قال: لا. فدفع تركته إلى ابن أخته. فقد أوجب عليه السلام بما نقلته عنه هذه الرواية توريث من لا سهم له من القرابة مع عدم أصحاب السهمان المبينة في الكتاب، وأعطى الجدة السدس من الميراث ولا فرض لها، وفي ذلك الاتفاق وفيما صير لها من السدس دليل على أن من لا سهم له من القرابة في معناها، إذا بطلت السهام، ولم يكن من أهلها، وأنه أولى بالميراث من الأجنبي. والمروي عن زيد بن ثابت انه جعل الفضل عن سهام الفرائض وكل المال إذا سقطت السهام بعد أهلها لجماعة
المسلمين، فجعلهم كلهم وراثاً، وجعل ما يصير لهم من ذلك في خلاف مال الفيء المصروف ألى الشحنة وأرزاق المقاتلة وإلى المصالح إذا كان ذلك يكون، فيما روي عنه، للناس كافة، وعددهم لا يحصى، فغير ممكن أن يقسم ذلك فيهم وهم متفرقون في أقطار الأرض مشارقها ومغاربها. وإذا امتنع ذلك وخرج إلى ما ليس يمكن فسد، وثبت ما قلناه من قول أكابر الأئمة. وقد تأول بعض المتأولين قول الله تعالى: " وَأُولُوا الأَرْحَامَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب الله " فقال فيه: كان الناس يتوارثون بالحليف دون القرابة، فلما أوجب الله المواريث لأهلها من الأقارب منع الحليف بما فرض من السهمان، فغلطوا وصرفوا حكم الآية إلى الخصوص، فذلك غير واجب مع عدم الدليل، لأن مخرجها في السمع مخرج العموم. وبعد، فلو كان تأويلها ما ذهبوا إليه، وكانت السهام التي نسخت ما يرثه الحليف قبل نزول الفرائض، لوجب في بدء، وما قالوا: إذا كان لا وارث للميت من أصحاب السهام أن يكون الحليفان في التوارث على أول فرضهما وعلى المقدم من حكمهما، لأن الذي منعهما إذا ثبت هذا التأويل من له سهم دون من لا سهم له. فإذا ارتفع المانع رجع الحكم إلى بدئه. ولا اختلاف بين الفريقين أن الحليف لا يرث الحليف اليوم، وإن كان لا وارث سواه، وهذا يدل على فساد تأويلهم، وعلى أن المراد في الآية التي أوجبت الحق للأقارب غير الذي ذهبوا إليه، فإن الله سبحانه إنما أراد بمعناها اختصاص القريب بالإرث دون البعيد. وقد يلزم من ذهب إلى الرواية عن زيد وترك الرواية عن عمر وعلي وعبد الله عليهم السلام جانباً، وأسقط التعاقل بين الأجنبي والقريب أن يجعل ذا الرحم أولى، لأنه يفضل الأجنبي بالقرابة. وترتيب المواريث في الأصل يجري على تقدم من فضل غيره في المناسبة كالأخ للأب والأم، والأخ للأب، وابن العم للأب والأم وابن العم للأب، وأخصهما قرابة أولاهما بالميراث عند جمع الجميع. قال الله تعالى: " يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثيين " وولد الولد من سفل منهم ومن ارتفع يعمهم هذا الاسم، إلا أن الأقرب منهم في معنى الآية أحق من الأبعد. فإذا كان ذلك كذلك كان القريب أولى من الأجنبي بالتركة للرحم التي يقرب بها دونه. وبعد، فإن العلماء نفر يسير لا يعرفون الصواب في هذه المسألة إلا فيما روي عن الخليفتين عمر وعلي صلوات الله عليهما وما روي عن ابن مسعود، ثم ل يقتصروا في المبالغة والدليل في توريث ذي الرحم إلا على ما روي عن عبد الله بن العباس جد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه وترجمان القرآن، وبحر العلم، ومن كان إذا تكلم سكت الناس، ومن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم مستجابة، ومن كان أعلم بتأويل القرآن فاتباعه فيه أوجب. وقد روي عن ابن عباس مثل ذلك من قول عمر وعلي وعبد الله والجماعة، وما زالت الخلفاء من أجداد أمير المؤمنين أعزه الله يستقضون الحكام فيقضون برد المواريث على الأقارب، ولا ينكرون ذلك على من قضى به من قضاتهم، ولا يرونه متجاوزاً للحق فيه، وما عرفت الجماعة بغير هذا الاسم إلا منذ نحو عشرين سنة. وأمير المؤمنين أولى من اتبع آثار السلف، واقتدى بخلفاء الله، ومال إلى أفضل المذهبين. وإلى الله الرغبة في عصمة الأمير وتسديده. والحمد لله رب العالمين. وحدث أبو الخصيب كاتب أحمد بن العباس قال: حدثني حامد قال: دخلت إلى عبيد الله بن سليمان وهو وزير المعتضد بالله رحمه الله فوجدته خالياً، وعنده أبو العباس بن الفرات، وعبيد الله يعاتبه، فلم يحتشمني لعلمه بما بيني وبينه، فسمعته يقول لأبي العباس: ولكنك تميل إلى فلان وفلان وابن بسطام. فقال له: أما فلان أيها الوزير فميلي إليه لأنه أسعفني في وقت نكبتي وعند مصادرتي بخمسين ألف دينار، ومن عاونني بماله، وأشركني في حاله، فقد استحق مني أن أصفيه الود وأخلص العقد. وأما ابن بسطام فرجل كاتب له علي رئاسة، وحق الرئاسة لا ينسى ودينها لا يقضى. سلمين، فجعلهم كلهم وراثاً، وجعل ما يصير لهم من ذلك في خلاف مال الفيء المصروف ألى الشحنة وأرزاق المقاتلة وإلى المصالح إذا كان ذلك يكون، فيما روي عنه، للناس كافة، وعددهم لا يحصى، فغير ممكن أن يقسم ذلك فيهم وهم متفرقون في أقطار الأرض مشارقها ومغاربها. وإذا امتنع ذلك وخرج إلى ما ليس يمكن فسد، وثبت ما قلناه من قول أكابر الأئمة. وقد تأول بعض المتأولين قول الله تعالى: " وَأُولُوا الأَرْحَامَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب الله " فقال فيه: كان الناس يتوارثون بالحليف دون القرابة، فلما أوجب الله المواريث لأهلها من الأقارب منع الحليف بما فرض من السهمان، فغلطوا وصرفوا حكم الآية إلى الخصوص، فذلك غير واجب مع عدم الدليل، لأن مخرجها في السمع مخرج العموم. وبعد، فلو كان تأويلها ما ذهبوا إليه، وكانت السهام التي نسخت ما يرثه الحليف قبل نزول الفرائض، لوجب في بدء، وما قالوا: إذا كان لا وارث للميت من أصحاب السهام أن يكون الحليفان في التوارث على أول فرضهما وعلى المقدم من حكمهما، لأن الذي منعهما إذا ثبت