كان أحرى ولخلصوا من المشاركة الواقعة، وحصلت لهم منزلة الانفراد بهذه السمة الرائعة، وإنما تبين الرتب إذا تفاوتت، وتظهر المنازل إذا تباينت، وأما أن يبتدر الرئيس والمرؤوس بحالة واحدة، ويجروا في طريقة جامعة، فإن ذلك يدعو إلى التساوي ويخلط الأدون بالعالي، ولو أعيد الوقوف بالخلفاء على: سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، وأفراد الملوك بمولانا الملك، واقتصر بالوزراء على: سيدنا الوزير، واتبع في ذلك ما كان معهوداً من قبل، وطبق من بعدهم على حكم منازلهم، وقدر مواقعهم، لكان التمييز موجوداً، والاختلاط مفقوداً، على أنه لم يكن يعرف فيما مضى مولانا، ولا مولاي، ولا سيدين وإنما كان التكاتب والتخاطب بالدعاء فقط. ولقد بلغني أن بعض خواص المقتدر بالله رحمة الله عليه سأل أبا الحسن علي بن عيسى زيادة أحد العمال المتقدمين في خطابه، وكان يخاطبه: بأعزك الله، فامتنع عليه امتناعاً شديداً، وعاوده حتى وعده. وكتب إلى الرجل: بأعزك الله. ممدود ما بين العين والزاي فقال ألم يعدني الوزير بالزيادة؟ قال: قد فعلت. قال: في أي شيء؟. قال: كنت أجمع بين العين والزاي. وقد مددت بينهما مدةً وهي الزيادة. فكان القوم على هذه الصورة من المناقشة ليبين الترتيب فيها ويلوح التطبيق في مجاريها. فأما عصرنا هذا فقد اختلفت الرسوم وانقلبت الأعيان فيه، وقلت المراعاة لما كانت موكولة به، وصارت ملوكه المدبرون للأمر يخاطبون وزراءهم بمولاي الأجل وزير الوزراء أدام الله علوه.