ووقع التسمح منه فيما كان من قبل يضايق فيه، فأوردته متعجباً ومعجباً من التفاوت الشديد بين ما كان وبين ما نحن عليه الآن، فإننا اليوم في انخراق قد زاد وأسرف، وتمادى وما وقف، حتى أن الملوك ومن بعدهم من الوزراء قد أنفوا من ذكرهم بسيدنا، واستقلوا خطابهم بمولانا، فعدل الناس بأولئك إلى الحضرة الشريفة، والحضرة العالية والحضرة السامية، وبالوزراء إلى مثل ذلك. ثم كنوا عن الخلفاء بالموقف الأشرف المقدس، وذكروه بالمقام الأطهر النبوي، ونقلوا الملك إلى الأشرف والأعظم. وقالوا في الدعاء: نوره الله ونصره الله: إلى ما بعد ذلك من المغالاة والمبالغة، وانتهت هذه الحال إلى أن شاركهم فيها الأكابر من أصحاب الأطراف، ووقفوا بالوزارة على الحضرة السامية. ثم ألحقوا بها: المظفرة والمنصورة، مع النسبة إلى الألقاب كالوزيرية والعميدية والكمالية، وما أرى هذا المجرى، وداخلهم في ذلك من يتلوهم من خلفائهم، وأصحاب الجيوش وأمراء العرب والأكراد. واتسع هذا الباب، فدخل فيه كل من أراد من غير احتشام ولا ارتقاب. ولا أعرف معنى للموقف ولا الحضرة، لأنه إشارة إلى غير شخص متمثل، وعبارة عن غير محسوس متشكل، وما الذي يتعلق بالمخاطب من ذلك؟ أم أي موضع للدعاء إذا كان لما لاحظ له فيه، ولا عائدة عليه منه؟ ولقد استخير من هذا الأمر ما لا جمال فيه، ولا جلالة ولا عظم ولا فخامة. وإنما يشار إلى الحضرة والموقف كما يشار إلى الباب الذي يطرقه الزوار والوفود، والمجلس الذي يكون فيه المثول والقعود والمقام الذي يكون فيه الحضور والوقوف. فأما الخلفاء فذكرهم بالسادة وأمير المؤمنين التي لا يشاركون فيها، ولا يجاذبون عليها أولى وأعلى من هذه الفقاقيع التي لا تفيد معنى. وأما الملوك والوزراء فذكرهم بالسيادة والملك والوزارة وما هو جار ذلك المجرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015