ما الذي يلحقك؟ فقال: أكثر آفتي هؤلاء الصبيان فإنهم يزيدون علي حتى أعدم بقية عقلي وأصير إلى ما شاهدتموه مني. وأخذ ينشدنا لنفسه، ويورد الحسن من شعره. وطاب لنا يومنا معه. وأحب أخي أن يمتحنه في قول الشعر، وهل هو على ما كان أم قد اختل، فقال له: أريد أن تعمل شيئاً في الفراق الساعة، فأخذ الدواة وفكر وقال:
عيني أكنت عليك مدّعياً ... أم حين أزمع بينهم خنت
إن كنت فيما قلت صادقةً ... فعلى فراقهم ألا بنت
وحدث محدث عمن حضر مجلس أبي الحسن بن الفرات في يوم من أيام نظره أن نسوةً رفعن إليه قصةً يشكون فيها رقة أحوالهن، وانتسبن إلى أنهن بنات ابن رستم، فقدر أنه ابن رستم كاتب كان بسر من رأى، ووقع بأن يجري عليهن دقيق ودراهم في كل شهر. فلما انصرفن قال له أحد الكتاب: ليس هؤلاء النسوة بنات ابن رستم الذي أشار الوزير إليه، وإنما هن بنات ابن رستم الذي كان مع بغا الشرابي. فقال: ليكن من كن فقد أخذن رزقهن، وإن حضر أولئك أجرينا لهن أيضاً وأحسنا إليهن.
وحدث أبو الحسين أحمد بن محمد بن ميمون قال: كنت بحضرة أبي الحسن ابن الفرات في بعض العشايا، فقط الفراش الشمعة التي كانت بين يديه قطاً استعجل فيه، فسقط منها شرار قرب منه، وخاف الفراش فمضى مبادراً، وتبعه خادم كان يرؤس على حواشيه لينكر عليه ويضربه، فصاح الوزير به وقال له: عد إلى مكانك، أتراه البائس تعمدني بما فعل واعتقد أن يحرقني؟ وإنما اتفق ما اتفق على سبيل الغلط.