إلى أبي الحسن أخي، وهو جالس يسبح. فعرفته ما عرفني. فقال: ويحك، من أين له هذا؟ قلت: قد أخبرتك بما خبرني به، وما عنده زيادة عليه. فقال: امض إلى أبي الحسين أخيك وسله عما عنده. فمضيت إليه وحدثته. فقال: ما خلق الله لذلك أصلاً وأنا آخر من ودعه وهو جالس للمظالم على أجل حال وأنفذ أمر. فقال أبو الحسن أخي: فاقصد ابن مجاشع المنفق وسله. ففعلت، وكان قولاً وقول أبي الحسين واحداً. وأمسكنا، وشاع ذلك بمكة، وكثرت به الأراجيف. فلا والله ما كان إلا عند وصولنا إلى الحاجر راجعين حتى وافى مؤنس الورقاني صاحب السرية ليلا لتلقي الحاج. فقال: أبشروا يا معاشر الحاج، قد قبض على ابن الفرات، واتفق أن كان قريباً مني، والليل يحجر بينه وبين معرفتي، فقلت له مبادراً: ومتى كان ذلك يا مبارك؟ فقال: يوم الأربعاء السادس من ذي الحجة. فورد علي من قوله وموافقه اليوم الذي سمعت فيه ما سمعته ما عجبت منه واستطرفته، ووجدت هذا الحديث مشاكلاً حديث الرشيد في موته بطوس وانتشار خبره بمدينة السلام في يومه. والحديث ماثور مشهور. وأنشدت لأبي الحسن ابن الفرات:
معذبتي هل لي إلى الوصل حيلةٌ ... وهل لي إلى استعطاف قلبك من وجه
فلا خير في الدنيا وأنت بخيلةٌ ... ولا خير في وصلٍ يكون على كره
وقال جعفر بن حفص: مضيت قاصداً حتى رأيت أبا العباس بن الفرات وأبا الحسن أخاه ينظران في الأعمال، فنظرت إلى حفظ لأمر الدنيا لم أر مثله، ولو رآهما من تقدم من الكتاب لعلموا أنهم لم يروا مثلهما.