جلس قال له: قد فرغنا من أمر الرجل إن كانت منك مساعدة. فقال:
اللهم غفراً. وقمنا، وخلوا وتحدثا. ثم نهض ابن عبدون، وعدت أنا وإبراهيم ابن أيوب الكاتب إليه، فوجدناه مقطباً واجماً. فقال لنا مبتدئاً: ما أعجب ما نحن فيه! نعوذ بالله من البغي وجوالبه. ثم قال: وافانا هذا الرجل يعني ابن عبدون يريد أن يلفتنا عن ديننا، وذكر أن الخليفة قد استجاب إلى صرف ابن الفرات إن توليت ديوانه، فقلت له: يا هذا، إن صرفت ابن الفرات ازددت بصرفه رزقاً وأجلاً، وإن لم أصرفه نقصني الله ما قرره لي؟ قال: لا. قلت: فإن تركتموني أُدبر هذا الأمر معكم وأقوم بما إلي منه، وإلا لزمت منزلي وأرحت نفسي. فانصرف متنكراً متسخطاً وقال: هذا الأمر يراد. ومضى ابن الفرات إلى العباس فأعطاه وأرضاه. وقد كان قال للمكتفي بالله: إن حال ابن الفرات قد عظمت، وأنا آخذ منه خمسين ألف دينار أردها في بيت مال الخاصة، وأُبقي عليه صدراً من نعمته. فقال له. نعمة ابن الفرات لي، ومتى أردتها أخذتها، وما يمكني إنشاء كاتب واصطناعه والرفع منه حتى يكون حاله الحال الذي يظن فيه. وكان ما قاله المكتفي بالله وفعله من أحسن ما روي وأُثر عن كل خليفة قبله. وقد كان خفيف السرمقندي الحاجب يقوم بأمر ابني الفرات ويعضدهما ويشد منهما، فقلما طمع في أبي الحسن وانبسطت الألسن فيه.
وحدث عبد الرحمن قال: لما عقد الأمر لأبي العباس عبد الله بن المعتز، ووزر له محمد ابن داود بن الجراح عمي تأخر أبو الحسن علي بن عيسى أخي عن الحضور، ووصلت مراسلة بالاستدعاء، وهو يأبى ويتوقف، حتى إذا زاد الإلحاح عليه وبلغه عن عبد الله بن المعتز أنه قال: علي بن عيسى متأخر عنا ليمضي إلى جعفر، فإن كانت