أحسن وَأجْمع مَا سَمِعت وقرأت فِيهِ كَلَام لأبي زيد الْبَلْخِي، من رِسَالَة كتبهَا، وَقد عير بِأَنَّهُ معلم، وَقيل لَهُ إِن الْمعلم سَاقِط مَذْمُوم قَبِيح الِاسْم، فَقَالَ: لَيْسَ يَسْتَغْنِي أحد عَن التَّعَلُّم والتعليم، لِأَن الْحَاجة يضْطَر إِلَيْهَا فِي جَمِيع الديانَات والآداب والصناعات والمذاهب والمكاسب. فَمَا يَسْتَغْنِي كَاتب وَلَا حاسب وَلَا صانع وَلَا بَائِع عَن أَن يتَعَلَّم صناعَة مِمَّن هُوَ أعلم مِنْهُ، ويعلمه من هُوَ أَجْهَل مِنْهُ. وقوام الْخلق بالتعلم والتعليم. فالمعلم أفضل من المتعلم، لِأَن صفة الْمعلم دَالَّة على التَّمام والإفادة والمتعلم صفته دَالَّة على النُّقْصَان والاستفادة. وحسبك جهلا من رجل يعمد إِلَى فعل قد وصف الله سُبْحَانَهُ نَفسه بِهِ، ثمَّ رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام، فيذمه. أَلَيْسَ قد قَالَ الله عز وَجل: " وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا "، وَقَالَ: " وعلمناه من لدنا علما "، وَقَالَ فِي وصف نبيه عَلَيْهِ السَّلَام: " ويعلمه الْكتاب وَالْحكمَة ".
لما هدد الْهَادِي يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي بِالْقَتْلِ إِن لم يحمل الرشيد على خلع نَفسه، رَجَعَ إِلَى دَاره مغموماً، وكلم غُلَاما لَهُ فِي شَيْء، فَأَجَابَهُ بِمَا غاظه، فَلَطَمَهُ لطمة انْكَسَرت بهَا حَلقَة خَاتمه، وطاح الفص،