دهقان هَدِيَّة، فكرهها، وَأظْهر الْجزع عَلَيْهَا، فَعَاتَبَهُ أَصْحَابه، فَقَالَ: لَئِن كَانَ ابتدأني بهَا، إِنَّه ليدعوني إِلَى أَن أتقلد لَهُ منَّة، وَلَئِن كَانَ كافأني على مَعْرُوف لي عِنْده، إِنَّه ليسألني أَن آخذ ثمن ذَلِك. فَمن أَي هذَيْن لَا أجزع.
قَرَأت فِي كتاب الأجلة والرؤساء للْقَاضِي أبي الْحُسَيْن ابْن عبد الْعَزِيز الْجِرْجَانِيّ عَن ابْن التوأم: إِنَّمَا يجب أَن تشكر الله من أَنه جاد عَلَيْك، فلك جاد، وَإِن نصحك فنفعك أَرَادَ، من غير أَن يرجع إِلَيْهِ جوده بِشَيْء من الْمَنَافِع بِجِهَة من الْجِهَات، وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. أَلا ترى أَن عَطِيَّة الرجل لصَاحبه لَا تَخْلُو من أَن تكون لله أَو لغيره. فَإِن كَانَ لله فثوابها على الله، وَلَا معنى للشكر، وَإِن كَانَت لغير الله، فَلَا تَخْلُو من أَن تكون لطلب المجازاة وَحب الْمُكَافَأَة. وَهَذِه تِجَارَة مَعْرُوفَة، والتاجر لَا يشْكر على تِجَارَته وجر الْمَنْفَعَة إِلَى نَفسه. وَإِمَّا أَن تكون تخوّف يَده، أَو لِسَانه، أَو رَجَاء نصرته ومعونته، فَلَا معنى لشكر من هَذِه إِحْدَى أَحْوَاله. وَإِمَّا أَن تكون للرقة وَالرَّحْمَة. وَلما يجد فِي قلبه من الْأَلَم. وَمن جرى على هَذَا السَّبِيل فَإِنَّمَا داوى نَفسه من دائها، وخفف عَنْهَا ثقل برحائها، فَلَا يجب شكره على هَذِه الْحَالة. فَأَما من مدحه بشار بن برد بقوله: لَيْسَ يعطيك للرجاء وللخو ... ف، وَلَكِن يلذ طعم الْعَطاء فَأَي معنى لشكر من يعطيك لاجتلال لذته، واجتذاب رَاحَته ومسرته. كمل الْكتاب، وَتمّ بِحَمْد من فَضله عمّ، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد، وعَلى آله وَصَحبه وَسلم. وَكَانَ الْفَرَاغ من رقم هَذِه الأحرف فِي خَامِس شَوَّال الْمُبَارك، من سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف من الْهِجْرَة.